في يوم السابع عشر من رمضان كانت ذكرى غزوة بدر الكبرى، تلك التي سميت "الفرقان"، لأن الله فرّق بها بين مرحلة الضعف للمسلمين في المدينة المنورة ومرحلة القوة بعدها، كان المسلمون في ضعف من كل النواحي، لكن نصرهم المؤزر يوم بدر نقلهم إلى مرحلة القوة حيث صارت لهم هيبة ممن كانوا يستضعفونهم، ورسموا خارطتهم على قوى العالم.
جاءت قريش باستكبار، وعندما سلم عِيرها (تجارتها) لم تكتفِ بذلك بل أرادت أن تظهر للعالم أن لها قوة وهيبة قلل منها تعرض المسلمين لقافلتها، وأرادت قريش شيئًا وأراد الله شيئًا: أرادت إظهار القوة وأراد الله إظهار ضعفها أمام قوة الحق، فكان أن كسرت شوكتها وأعز الله جنده، ونقل المسلمين ليكونوا هم أهل القوة في الجزيرة العربية.
حاولت قريش أن تعيد شيئًا من سمعتها بغزوة أحد، ولكنها أيضًا لم تربح كثيرًا وإن حققت شيئًا من النصر العسكري، لكنه غير كافٍ، فقد خرج المسلمون بدروس منها أن يقووا صفوفهم ويلتزموا بالخطط العسكرية، وكانت الهزيمة في بدر تسيطر على تفكير قريش ولذا عندما فكروا في الكرّة مرة أخرى على المدينة بعد أُحد وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج في إثرهم آثروا جانب السلامة والاحتفاظ بالسمعة التي استعادوا شيئًا منها في أحد وعادوا إلى مكة.
غزوة بدر ليست دروسًا للمسلمين السابقين فحسب، فقد مضوا بعد أن وعوا دروس بدر، وحققوا نصرًا إثر نصر للإسلام، ولكنها دروس للمسلمين بعد ذلك، ولذا فإن المسلمين لابد أن يحتفلوا بهذه الغزوة الكبرى، ليس بسرد أحداثها بل بالاعتبار بنتائجها، فهم أحوج ما يكونون اليوم إليها، وقد تكالبت عليهم الأمم، وهم في وضع ضعف في كل النواحي، وبخاصة في نواحي التنمية، والتخطيط، والعلوم، والاقتصاد، ويعيشون عالة على صناعات غيرهم، وعلى علوم غيرهم ومجتمعاتهم في عمومها "مجتمعات استهلاك لا مجتمعات إنتاج"، ووحدتهم وتآزرهم في وضع تفكك، وكثير من مفكريهم لا يزيدون على أن يكونوا نسخة من ثقافات أخرى، ومنهم من لا هوية له، ولا يسعى لإبراز هوية أمته، وليس معنى ذلك معاداة الآخرين، بل أخذ العلوم والعمل على أن يكون لأمته مكانًا لائقًا بها على خارطة العلم والثقافة، فالموقع الثقافي على الخارطة كالموقع الجغرافي.
التاريخ ليس أحداثًا تسرد، ولا قصصًا تحكى، بل هو دروس تستنبط، وعِبَر تُنفَّذ على أرض الواقع، فالجغرافيا وحدها غير كافية، والأرض بما يكون عليها من إنتاج، وعبر التاريخ في تجسيدها في التنمية والثقافة، وإعداد القوة في كل شيء، في عملٍ دؤوب وفق خطط ترسمها عقول، وتُنفِّذها عقول، وتستزرع في الأدمغة، وإذا أنتجت الأدمغة عرف العرب بخاصة دروس غزوة بدر، وكيف كانت الفرقان.
غزوة بدر.. يوم الفرقان
تاريخ النشر: 29 يوليو 2013 06:25 KSA
في يوم السابع عشر من رمضان كانت ذكرى غزوة بدر الكبرى، تلك التي سميت "الفرقان"، لأن الله فرّق بها بين مرحلة الضعف للمسلمين في المدينة المنورة ومرحلة القوة بعدها، كان المسلمون في ضعف من كل النواحي، لكن
A A