Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حكم ابن المُقرَّب العيوني

حكم ابن المُقرَّب العيوني

إلى بلدة «العيون» الواقعة على مشارف مدينة «الأحساء» ينتسب الشَّاعر علي بن المُقرَّب الرَّبعي العيوني الذي عاش في تلك المنطقة البكر، التي تتلاقى فيها كل معاني البساطة والهدوء، حيث عُدَّ من الشُّعراء

A A

إلى بلدة «العيون» الواقعة على مشارف مدينة «الأحساء» ينتسب الشَّاعر علي بن المُقرَّب الرَّبعي العيوني الذي عاش في تلك المنطقة البكر، التي تتلاقى فيها كل معاني البساطة والهدوء، حيث عُدَّ من الشُّعراء القلائل في تلك البيئة في القرن السادس الهجري، فكان اللسان المعبِّر عن حال مجتمعه وبيئته، التي يُصوِّر عاداتها وتقاليدها، ويُفاخر بأمجادها ومآثرها، وجاء تراثه الشِّعري يحمل جانبًا من الخصائص اللُّغويَّة والثَّقافيَّة والفكريَّة في تلك البيئة التي أملت عليه بعض الملامح والسِّمات التي برزت في شعره، يقول في بعض قصائده التي تجلَّت فيها معاني الحكمة:
عَـدِمْـتُ الفتـى لا يـُنْـكِرُ الضَّيْم والرَّدى
علـى خَطـاءٍ يَـغْـتَـالُـهُ أو تـعـمَّـدا
ولا عاش من يَرْضَى الدَّنَايا، أَهَلْ رأى
جـبـانـًا على مرِّ اللَّيـالي مُخَلَّـدا؟
وهل ماتَ مِنْ خَوْضِ الرَّدى قبلِ يَومهِ
فتىً لِوَطِيسِ الحَرْبِ مازال مِفْئَدَا
وهل سـادَ رَاضٍ مَـرْتَـعَ الـذُّلِّ مَـرْتَـعَـًا
وهل فاز راضٍ موردَ الذُّلِّ مَوْرِدا
وكثيرًا ما عبَّرت قصائد ابن المُقرَّب العيوني عن روح الحكمة، وعن تجاربه في الحياة، والمواقف التي واجهته أمام بعض أقاربه، وأثَّرت في مسيرته الشِّعريَّة، وبخاصَّة خصومته مع بني عمَّه، وارتحاله عنهم فجأة، بعد أن أساؤا إليه، وسلبوه بعض ما يملك، وهو ما أشعره بالهوان، ودعاه إلى مفارقتهم إلى دار عزٍّ ورفعة، فقد قال ذات مرَّةٍ مخاطبًا نفسه:
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِمًا
وَاِرمِ الفِجاجَ بِها فَالخَطبُ قَد فَقِما
كَم رِحلَةٍ وَهَبَت عِزّاً تَدينُ لَهُ
شُوسُ الرِجالِ وَكَم قَد أَورَثَت نِعَما
وَكَم إِقامَةِ مَغرُورٍ لَهُ جَلَبَت
حَتفًا وَساقَت إِلى ساحاتِهِ النِقَما
وَمَن رَأَى الضَيمَ عارًا لَم تَمُرَّ بِهِ
شَرارَةٌ مِنهُ إلّا خالَها أُطُما
وَكُلُّ مَجدٍ إِذا لَم يُبن مَحتِدُهُ
بِاليَأسِ نَقَّرَهُ الأَعداءُ فَاِنهَدَما
وتتوارد الحكم على خاطر الشَّاعر ابن المقرَّب إذ تستجيش في نفسه ترسُّبات الماضي، ولوعة المشاعر التي حملتها تبعات بعض المواقف التي ارتأها الشَّاعر وهو يعيش مع بعض أقرانه، يقول:
لا تَطلُبِ الرَأيَ إِلّا مِن أَخي ثِقَةٍ
لا يُصدِرُ القَومَ مَن لا يُورِدُ العَلَما
وَلا يُعَدُّ كَريمًا مَن مَواهِبُهُ
تُمسي وَتُصبِحُ في أَعدائِهِ دِيمـا
مَنِ اِستَخَفَّ بِأَرباب العُلى سَفَهًا
وَسامَها الخَسفَ أَدمى كَفَّهُ نَدَما
وَلا يعزُّ الفَتى إِلّا بِأُسرَتِهِ
لَو كانَ في البَأسِ عَمرًا وَالنَدى هَرِما
لا تَرضَ بِالهُونِ في خِـلٍّ تُعاشِرُهُ
فَلَن تَرى غَيرَ جارِ الذُلِّ مُهتَضَما
والمتأمِّل في المعاني الحكميَّة يلحظ أسلوبها السهل، وصورتها الفريدة من خلال تجاربه ومواقفه العديدة، واستنباطه بعض المعاني من واقع البيئة المحيطة به، وهو يرى فيها بعض الثنائيات المتضادة، ولذا ترتسم معاني الحكمة في شعره في صور متعددة، منها محاكاته بعض الشعراء القدماء الذين عرفوا بقصائد الحكمة سواءً من معاصريه، أو من القدماء كزهير بن أبي سلمى في معلقته، يقول ابن المقرَّب في بعض أبياته المؤثِّرة:
وَمَن لَم يُفارِق مَنزِلَ الضَيمِ لَم يَـزَل
يَـرُوحُ وَيَغـدُو مُـوجَـعَ القَلبِ باكـيـا
وَمَن يَثوِ في دارِ الهَـوانِ يَعِش بِهــا
أَخا مَضَضٍ لا يَبرَحُ الدَهـرَ شاكيـا
وَمَن لَم يُوفِّ النِصفَ في دارِ قَومِهِ
وَيُولي الأَذى فَالرَأيُ أَن لا تَــلاقيـا
هذه ومضات من أشعار الحكمة عند ابن المقرَّب العيوني التي شكَّلت خلاصة تجاربه في الحياة، وصورة فكره في مواجهة بعض المواقف والأحداث .
* الجامعة الإسلامية - المدينة المنوَّرة
Mh 1111m@ : تويتر

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store