Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عربٌ في مهبّ الخوف

بعد كل هذه المدة من الحراك العربي، نجد أنفسنا اليوم أمام العديد من المفارقات الغريبة التي أفرزتها الثورات العربية في مختلف البلدان، من ثورات وردية كمصر وتونس، في البدايات على الأقل، التي نتجت عنها آما

A A
بعد كل هذه المدة من الحراك العربي، نجد أنفسنا اليوم أمام العديد من المفارقات الغريبة التي أفرزتها الثورات العربية في مختلف البلدان، من ثورات وردية كمصر وتونس، في البدايات على الأقل، التي نتجت عنها آمال كبيرة في ثورات تغييرية حقيقية بطابعها الشعبي، إلى ثورات دموية في ليبيا واليمن التي قاومت كثيرًا جنون السلاح قبل أن تستسلم له، وسوريا. من بين هذه المفارقات المدهشة أن الثورة نفسها بدل أن تتحول إلى دينامية داخلية تغييرية ولو على المدى المتوسط أو البعيد، تحوّلت إلى جهاز لتفكيك الدولة وتعرية البلاد من أي نظام وإدخالها في فوضى الموت والتدخلات الأجنبية التي لا تفعل ذلك لأن الإنسان مهدد هنا أو هناك، ولكن لأن المصالح الحيوية مهددة. تكمن قوة الثورات العربية ونجاحاتها، بالخصوص التونسية والمصرية في البدايات، في كونها كانت ثورات صاعقة في سرعتها. وسرعتها وفرت لها حصانة من الانهيار الداخلي، ولكن في الوقت نفسه جعلتها تحت المجهر الدولي الاستعماري الجديد، إذ لا يُراد للعقل العربي أن يتخلى عن معوقاته ليلتحق بالركب الإنساني. والتدخلات الأجنبية تدل على أن هناك لحظة تفكير مرتبطة بالضرورة بالمصالح الاقتصادية أو السياسية تلغي حتما العنصر الذاتي للثورة أو تقلل من استقلاليتها على الرغم من حاجة الثورة إليها. التدخل الإنساني الغربي لحماية المواطنين، يخفي غموضا واضحا ومخاطرة قد تفقد الثورة تاريخيتها وخصوصيتها وإبداعيتها الذاتية. نعرف أن أي ثورة هي رهان على المستقبل وليس فقط اللحظة الراهنة. يجب أن نقبل بمبدأ قاسٍ وهو أنه ليس بالضرورة أن يحالف حظ النجاح كل الثورات. هناك البعض منها يبدأ تحت مختلف التأثيرات ولكن بنياته المتخلفة لا تسمح له بأن يكون في نفس مستوى الثورات الأخرى ويحتاج الأمر إلى زمن أطول. انكسار ثورة لا يعني مطلقا موتَها إذ يمكنها أن تستيقظ في أية لحظة من اللحظات. لم يعد الغرب الاستعماري مستعدا لأن يعيش مفاجآت أخرى قد تهز مصالحه الإستراتيجية. لا يريد أن يظل على هوامشها وهو المالك للمخابر العالية التي تتحسس هذه التحركات حتى قبل حدوثها. هناك دراسة عميقة في هذا السياق للتحكم في مسارات الثورات وتحويلها بما يخدم المصالح الغربية الاستعمارية وليس الشعبية. الخطر الكبير هو أن يُمتص ألق الثورة وعنفوانها ويتم تحويلُها إلى كر وفر بين المتناحرين، لا أفق من ورائه واضمحلال الدولة المنظمة. على البلدان العربية التي تقف اليوم على كف عفريت ولم تلحقها هذه النار، أن تشرع في الإصلاحات السريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في عالم خارجي ما يزال يراهن على القوة ويعيد إنتاجها باستمرار. ولكن هل تستطيع الأنظمة العربية أن تغير في شيء أصبح مكونا جوهريا لبنيات نظامها، ويكاد يكون جينيا؟ ما نلحظه اليوم يبين بما لا يدع مجالا للشك أن الدرس لم يحفظ كما يجب، الأخطر من ذلك كله، أن هذه الأنظمة العربية المحتضرة بدأت تتحول بهدوء إلى العامل الأول والأساسي في تفكيك بلدانها، ضمن مخطط جغرافيا جديدة لا ينتظر إلا التطبيق، وربما يكون قد بدأ بشكل لم يعد سريا. التصريحات الإسرائيلية بضرورة تفكيك سوريا إلى دويلات، بعد السودان والعراق وليبيا، يبين أن المسألة قد بدأت ميدانيا واختبار جدواها جارٍ.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store