Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

البداوة أصالة العروبة

خلال سنوات الدراسة في أمريكا لم يكن يزعجنا أمر قدر محادثات التعارف مع الخواجات، فأسئلتهم كانت تتكرر حد الملل، وكانت جميعها تدور حول الخيمة التي نسكنها، والجمل الذي ينقلنا.

A A
خلال سنوات الدراسة في أمريكا لم يكن يزعجنا أمر قدر محادثات التعارف مع الخواجات، فأسئلتهم كانت تتكرر حد الملل، وكانت جميعها تدور حول الخيمة التي نسكنها، والجمل الذي ينقلنا. بمجرد أن نقدم أنفسنا على أننا من السعودية، تنهمر الأسئلة المعتادة عن طبيعة الحياة في بلدنا؛ كوننا بدوًا متخلّفين، ثم يأتي السؤال الأهم لديهم عن مدى انبهارنا بتقدم بلادهم، وعن كيفية تعاملنا مع صدمتنا الحضارية. ومهما حاولنا أن نوضح الأمر لهم، نجد في أعينهم الشك في أقوالنا، وعلى ألسنتهم الإصرار على الاحتفاظ بتلك الصور النمطية عنّا، وعن حياتنا.
في مرحلة لاحقة لم نعد نتحفز لتوضيح شيء لهم، إذ لا جدوى من جهد مجهض، كان الرقع ولا يزال متّسعًا على الراقع، لكن الأمر ما عاد مهمًّا، هكذا نحن، ولن نرهق أنفسنا في سبيل إرضاء أولئك الخواجات المبرمجين. كانت البرمجة قد ازدادت شراستها في وسائل الإعلام الأمريكية، في الأخبار، وفي الإعلانات، وفي الدراما التلفزيونية، وفي الأفلام الهوليوودية، حتى أن دراسات كثيرة ركزت على كشف المخطط المرسوم لتشويه صورة العرب بقصد وترصّد.
كان تشويه العرب قد وصل إلى مراحل الشيطنة والإرهاب والتخريب، بعد أن اكتفى سابقًا بوصمة البدواة، والتخلّف، والرجعيّة، وعشق النساء، واختطافهنّ، وتقطيع الأيدي والرؤوس. في كل هذه التمثيلات المشينة كان منظر العربي النمطي هو ذلك الثري الذي يرتدي اللباس العربي الأصيل، أي ما يتماشى مع شكل العرب في دول الخليج بالتحديد، لذلك كانت الضربة الإعلامية قد توجهت ضدهم أكثر من بقية العرب.
ولم تكن الأفلام العربية تقوم بدور مختلف عن هوليوود، فالعربي الخليجي لا يظهر إلاّ في أدوار مخزية تميذزه نفس ملابسه الهوليوودية الفضفاضة، وأغطية الرأس المائلة والمشوّهة، ثم تعرض أخلاقياته الفاسدة، وتبذيره للأموال، وعشقه للنساء، والشرب والسهر. لا يوجد نمط في الدراما والسينما العربية يشهد باستقامة الخليجي أو حسن خلقه، فهو في أحسن أحواله بدوي متخلف لديه مال لا يستحقه.
وفي هذه الأيام بدأ الاعلام العربي يتلفظ بكلمة بدوي، وكأنها وصمة عار يلصقها بالخليجي والسعودي بالتحديد، رغم أن وسائل الإعلام الأمريكية تطلق لفظ البداوة على العرب أجمعين، وكذلك تفعل إيران حين تصفهم ببدو الصحراء الهمج، إلاّ أن العرب فيما بينهم يصطفون أنفسهم وينظرون من عليائهم الموهومة إلى الخليجيين بلا مبرر منطقي، عدا (ربما) أنهم يرتدون البدلة الإفرنجي!!
كيف أصبحنا البدو الوحيدين في المنطقة، والصحارى العربية تنتشر في المنطقة بأكملها؟ قبائل البدو يعيشون في مصر وسوريا والعراق والأردن والمغرب والجزائر وليبيا وفلسطين ولبنان، لكنهم مهمشون ومنسيون ومهملون. بعض المتمدينين من العرب يتنصلون من أصولهم ويترفعون على مواطنيهم من بدو الصحراء إلى درجة أنهم يتجاهلون وينسون تمامًا أن بلادهم بها صحارى يسكنها بدو. أمّا الخليجي العربي فهو معتز بأصوله، متصالح مع بداوته، فخور بها ومحافظ على أساليبها. نحن لا نتحسس من كلمة بدو ولا نعتبرها مفردة عنصرية، بل يشرفنا أن نمتلكها حصريًّا دونًا عن أولئك المنسلخين من العرب.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store