من أين نبدأ؟: الرجولة عماد الخلق الفاضل

كان هذا العنوان -الشارح لنفسه- عنوان محاضرة الأديب المكي الراحل حمزة شحاته في جمعية الإسعاف بمكة منذ ما يفوق السبعين عاما تغير فيها المفهوم الحقيقي لتلك الصفة.
كان كنفوشيوس يرى أن «الرُقي الذاتي» أساس الرُقي الاجتماعي، وأن الحكمة تبدأ في البيت، وبالتالي فإن أساس المجتمع هو الفرد الصالح في الأسرة الصالحة.
وحين نقف اليوم أمام هذا الكم الهائل من قضايا العنف الأسري (اللفظي والفيزيائي)، العضل، وصولاً إلى الابتزاز المادي قبل منح الزوجة حقها في الطلاق بعد سنواتٍ يذهب فيها شبابها وينهار كل ما تبقى من قواها النفسية بعد تعليقها طوال هذه السنوات قبل أن يُجْهِز عليها المجتمع بنظراته قبل أسئلته الجارحة؛ فإننا نقف أمام كارثة أخلاقية لم تشهدها الأمة منذ عصر الجاهلية الذي كان بعيوبه عصرا تحلّى فيه نفرٌ من الرجال بصفاتٍ كالشجاعة والصدق والنبل.
وهنا أُفرِّق بين الذكورة ومفهوم الرجولة الحقيقي، فهؤلاء المحسوبون على قبيلة الرجال لم يبكوا في طفولتهم لأنهم نشأوا على أن الرجل لا يبكي، ولم يلبسوا خلال مراهقتهم سلاسل في رقابهم، وكانوا يلتزمون بما يطلق عليه «علوم الرجاجيل» من ناحية بدء السلام من اليمين وصب القهوة باليسرى وتقديمها باليمنى، وما إلى ذلك من أخبار العرب التي لا بأس بها، ولكن: «إن اقترنت» بصفاتٍ أُخرى تحلَّى بها الرجال الحقيقيون.
الرجل الحقيقي يُميِّز بين أبواب الأسرة الكريمة وأبواب المواخير، فيحفظ العهد الذي قطعه لأبٍ طفق يغدق على فتاته حبًا واحترامًا، وهو أيضًا يعمل بالوصايا ويجتنب النواهي القرآنية التي يسمعها بضعًا وتسعين مرة خلال العام الواحد.
حين يصل الشاب في اليابان للمرحلة الجامعية، فإنه يندرج تحت مسمى «رجل مجتمع»، وبهذه الصفة لا يتوقع منه ما كان يفعله سابقًا.
الرجولة ليست سواتر و»پارتشنات»؛ نضعها حولنا في المطاعم، بقدر ما هي تحمُّل مسؤولية ومواقف.
هذه السطور ليست كلماتٍ مثاليةً فقد آن الأوان لكي نُربِّي الأجيال الحالية والقادمة على قِيَم الرجولة الحقيقية، التي تبدأ منذ نعومة الأظفار، لتحترم هذا الشريك في هذا الكوكب، ولتعلم أن القوامة «تكليف لا تشريف»، لأن ما يحدث يومياً يُحتِّم علينا إعادة النظر في بنية هذه اللبنة الرئيسة في البيت.