Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

القضاة وروح القانون!

السجن هو من أكثر العقوبات المتعارف عليها والتي شُرّعت تأديباً لمرتكبي أي فعل مخالف سعياً في حثّهم على عدم تكرار ما اقترفوه من جرم، وردعاً لغيرهم من أفراد المجتمع .

A A
السجن هو من أكثر العقوبات المتعارف عليها والتي شُرّعت تأديباً لمرتكبي أي فعل مخالف سعياً في حثّهم على عدم تكرار ما اقترفوه من جرم، وردعاً لغيرهم من أفراد المجتمع . إنّ من أبرز السجناء هم سجناء الحقوق الماليّة، فهم السجناء المنسيون غالباً من المجتمع مع أنّهم أحوج الناس لتذكرهم ومساعدتهم.
إنّ هذا النوع من السجناء لم يسرق أو يختلس أو ينهب، بل كل ما فعله هو الاستدانة سعياً في تأمين القوت اليوميّ لأسرته، أو رغبةً في تحسين وضعه المعيشي، ولم يتمكّن من سداد المبلغ المستحق في ذمّته بعد ذلك، فيتمّ إدخاله الحبس والحكم عليه بالسجن مدّة زمنيّة محدّدة ليقوم خلالها بتأمين المبلغ المستحق وسداده للدائن. فهل السجن هو العقوبة الأمثل لهذا النوع من السجناء؟ فالسجين داخل أروقة السجن كيف سيتمكن من سداد الديّن الذي في ذمّته؟ وكيف سينعكس ذلك بفائدة على الدائن؟ إنّ ذلك سيصعّب الأمور على أسرته من خلال تكبدهم ظروفاً شاقة وقاسيّة في سبيل سعيهم لتدبير أمورهم اليوميّة في ظل غياب معيلهم، ومن ثمّ تحملّهم عناء ومشقّة التفكير في كيفيّة سداد الديّن عن معيلهم .
بالطبع ذلك لا يعني التساهل مع المدين ويجب أن يكون هنالك عقوبة قاسيّة ورادعة بحقه لكي لا يتساهل بالسداد ، ولكن بالتأكيد علينا إيجاد بدائل عن السجن.
فعلى سبيل المثال، لماذا لا يكون هنالك جمعيّات تكفل مساعدة هؤلاء الأشخاص من خلال تأمين عمل لهم إذا لم يكن لديهم عمل يستطيعون من خلاله سداد الديون المستحقّة عليهم، وذلك بدلاً من سجنهم ولجوء عائلاتهم للجمعيات الخيريّة ؟ وفي حال عدم أخذهم هذا العمل على محمل الجد، يتمّ اللجوء لعقوبة السجن تأديباً لهم وحثّهم على تحمّل مسؤولية أفعالهم .
هنالك العديد من العائلات التي جاء عليها شهر رمضان ولم تدخل الفرحة إلى بيوتها، كما يوشك العيد على الاقتراب وبهجته تلوح بعيداً عنهم. فلمَ لا نستطيع تقديم اقتراح مبدئي لمعالجة هذه القضيّة من خلال تسهيل إجراء الإفراج عن سجناء الحقوق الماليّة مؤقتاً مقابل كفالة حضوريّة، ليتمكنوا من قضاء ما تبقى من أيام هذا الشهر الفضيل مع عائلاتهم ،فهم يختلفون عن مرتكبي الجرائم التي تفتك بأمن المجتمع واستقراره .
أيضاً، أناشد أصحاب الأيادي البيضاء مساعدة هؤلاء الأشخاص وعدم نسيانهم وذلك من خلال التكفّل بسداد المبالغ المستحقّة في ذمّتهم، فهي قد تكون مبالغ قليلة جداً، ولكن أثرها يضاهي إبراء الذمّة الماليّة للسجين وإدخال السرور على قلب عائلته من خلال مساعدته بتكملة ما تبقى من أيام هذا الشهر الفضيل مع أسرته .
لفت انتباهي أحد القضاة بمحكمة التنفيذ حيث قرر الإفراج عن مطلوب بمبالغ مالية بضمان كفالة حضورية الى بعد العيد لكي يستطيع المنفذ ضده أن يقضي ما تبقى من أيام رمضان وعيد الفطر مع أسرته واطفاله، هذه لفتة رائعة من قاضٍ يحكم بالعدل مع الأخذ بعين الاعتبار المشاعر الإنسانية والاجتماعية للإنسان الماثل أمامه. فمثل حكمة هذا القاضي نتمنى أن تكون موجودة في معظم قضاتنا فهو تعامل بروح القانون قبل تنفيذ الحكم.
ختاماً، يجب تثقيف المجتمع أكثر بهذه الأمور وذلك من خلال تقديم توعية قانونيّة وعقد دورات تثقيفيّة عن أضرار الديّن بكافة أشكاله ومخاطره من خلال التركيز على الآثار المترتبة في حال عدم سداده، خاصةً في ظل التسهيلات المقدّمة من البنوك والتي تُشعر المرء بسهولة الأمر وتنسيه أضراره.!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store