السخرية بالمعلم.. سخرية بالعلم

فرضت الظروف هذا العام إجازة استثنائيَّة في طولها لمُعلمي الأجيال، وبقدر فرحتهم بها إلاَّ أنَّها تحوَّلت بفعل المكانة الدونيِّة التي يحتلها -للأسف الشديد- المعلّم في مُجتمعنا إلى تندُّر بالسخرية، وُظِّفت فيها وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ فاضح، حيثُ أظهرت المعلِّم في صورة الإنسان غير الفاعل في مُحيطه، الباحث فقط عن قضاء وقت فراغه في اللهو، متناسين أنَّه طوال العام يحمل همَّ جيل، ويسعى لتأهيل أُمَّة، ويبحث عن الأسلوب الأجود لإيصال المعلومة، ويُحاول جاهدًا توظيفها لتكون سلوكًا في تفاعله مع أقرانه وبقية مُكوِّنات مجتمعه، ولكن الإسقاطات السلبيَّة تجاهه كانت أكبر من الوعي بدوره المحوري المسلوب منه عُنوة.
إنَّ التفاعل غير الموضوعي مِن ممارسي السخرية بالمعلّمين سيؤدِّي بنا إلى فقدان الثقة بهم؛ فالمتتبّع للسلوكيَّات التي فاضت بها وسائل التواصل الاجتماعي تعكس وعيًا قاصرًا من الجميع بأهميَّة دور المعلِّم في المُحافظة على كينونة المُجتمع، وتعزيز قِيَمِهِ العُليا، بدءًا بإيمانه بمُعْتَقَدِه الذي لا يقبل التشكيك، مرورًا بتعميق الولاء لوطنهم وقيادتهم، وانتهاءً بتفاعلهم الإيجابي مع مُحيطهم الإقليمي والدولي؛ فحُجرة الدرس هي مصنع رجال الغد الذين يُعدّون للحياة ولقيادة مُجتمعاتهم، ولن يتحقق لها ذلك ما لم يكن قائدها «المعلِّم» في أعلى درجات دافعيته للعطاء، وقمة وفائه لمهنته السامية، وأجزم أن هذا لن يتوافر مادام المعلّم هو الحلقة الأضعف عند مرجعه الرسمي، وفي مُحيطه الاجتماعي.
لقد فتح التعاطي غير المنطقي حول إجازة المعلمين نوافذ مُشرعة أمام القيادة في هرم الوزارة -علَّها تُعيد بناءً عليه- العمل على سنِّ قوانين تحفظ لمعلّميها مكانتهم الماديَّة والمعنويَّة، وتُعيد من خلالها هيبتهم المفقودة داخل مؤسساتها، ناهيكم عن خارجها، فالمعلم -من وجهة نظري- هو الركن الأساس الذي يُعوَّل عليه جعل البيئة المدرسيَّة جاذبةً، وهو القادر على خلق مناخ تربوي إبداعي يُفتِّق في سمائه الطلاب ملكاتهم، وتنطلق في فضائه قدراتهم، مع أهميَّة عدم إهمال بقية عوامل التطوير الأخرى التي تُشكِّل في مُجملها منظومة تتكامل ولا تتعارض لتحقيق الأهداف المنشودة.