Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«الشيبة».. «والختيار»

«ليس مِنَّا مَن لم يُوقِّر كبيرنا»، ذلكم هو التوجيه النبوي الكريم لتوقير كبار السن وإجلالهم، وهو خُلق إسلامي مشهود في هذه البلاد على وجه الخصوص، فذو الشيبة المسلم يحظى في مجتمعنا بالتقديم والتقدير في

A A
«ليس مِنَّا مَن لم يُوقِّر كبيرنا»، ذلكم هو التوجيه النبوي الكريم لتوقير كبار السن وإجلالهم، وهو خُلق إسلامي مشهود في هذه البلاد على وجه الخصوص، فذو الشيبة المسلم يحظى في مجتمعنا بالتقديم والتقدير في المجالس واللقاءات الرسمية وغير الرسمية. وقادة هذه البلاد سنّوا سنة حسنة، بتقديم كبار السن في مجالسهم، وخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله وأسلافه من الملوك السابقين ساروا على هذا النهج ولطالما نقلت شاشات التلفاز صورًا لمجالسهم وهم يقفون احترامًا لكبار السن أو يُجلسونهم في صدر المجلس أو يدنونهم منهم إن كانت لهم حاجة أو شكوى أو مسألة. الناس على دين ملوكهم بالطبع، لذا يتبع أمراء المناطق جميعهم هذا الملك في توقير المسن، وكذلك المسؤولون كبارهم وصغارهم الذين يخرج الواحد منهم من وراء مكتبه ليستقبل مراجعًا مسنًا ويصافحه ويجلسه ويقدمه على غيره. ولكي يزداد هذا التقدير،
لا بد من أن تكون مخاطبة كبار السن متوافقة مع هذا التقدير بالدرجة الأولى، وإلا أفسدت هذه المخاطبة كل ذلك التقدير. ومن هذا الباب، فإن مخاطبة الشيوخ وكبار السن بعبارة مثل «يا شايب» كما يحصل في كثير من مجالسنا وملتقياتنا، فيها الكثير من التجاوز وإساءة الأدب مع من يكون في مقام الوالد. والأدهى والأمر أن بعض الناس حين يتحدثون عن آبائهم أمام أصدقائهم، يشير الواحد منهم إلى أبيه (بالشايب) أو (الشيبة) (كما في الحجاز)، بدل أن يقول: الوالد أطال الله عمره، ويذكر والدته «بالعجوزة» بدل أن يقول: الوالدة حفظها الله، ونحمد الله أن كثيرًا من أبناء الأسر الكريمة يتأدبون مع والديهم بهذا الشكل، وقلة هم من يشيرون إلى آبائهم وأمهاتهم بالشايب أو العجوز.
وبحكم التخصص لفت نظري أن العجوز يطلق عليه في بلاد الشام «الختيار» أو «الاختيار» والمؤنث منه «اختيارة» أو «ختيارة» ويجمع على «اختيارية» أو «ختايرة» ويشتق منه الفعل أيضًا فيقال: «ختيرنا» أي «عجزنا» وهكذا. وجبت من هذا الاستخدام اللغوي للفظ الاختيار الذي لا علاقة وضعية بين معناه وهو الانتقاء والتخير وبين كِبر السن والشيخوخة، وبحثت في بعض المعجمات وكتب اللغة ووجدت في بعضها ما يثبت أن لهذا الاستخدام أصلًا في اللغة، فالعرب تطلق على العجوز (والعجوز يستخدم للذكر والأنثى)، الذي لم يتجاوز الستين (كما أذكر) تسمية «عجوز إنكار» أي أنه ينكر أنه عجوز في الغالب. أما من تجاوز الستين أو بلغ السبعين على الأصح فيطلق عليه «عجوز اختيار» لأنه في هذه السن لا ينكر أنه عجوز بل يقر بذلك باختياره، وقد تخير أهل الشام التسمية الثانية وحذفوا كلمة (عجوز) تأدبًا فأصبحت كلمة «اختيار» تطلق على العجوز مطلقًا وتخفَّف إلى «خِتيار» بحذف الألف، وأرى أن هذه الكلمة ألطف وأقل إيلامًا من كلمة «شايب» أو «عجوز» التي تستخدم لدينا خصوصًا إن أطلقت على الأب أو الأم.
وخلاصة القول: إننا بحاجة إلى التأدب مع المسنين مطلقًا سواءً كانوا من ذوي القربى أو من غيرهم، وما أجمل أن نشير إلى أي منهم بالوالد أو الوالدة بدل «الشايب» أو «العجوزة»، ناهيكم عن عونهم ومساعدتهم وتقديرهم وإجلالهم في هذا المجتمع المسلم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store