Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

أدب جيل الضياع هناك.. وهنا أيضاً

A A
هناك أفلام ساحرة استطاعت السينما وضع أصحابها تحت الأنوار لأنها مستقاة من نصوص روائية عالمية تتقاسمها الأجيال، عبر الأزمنة المتعاقبة بلا توقف، حتى اليوم. نصوص رسمت ملامح جيل سرقت منه الحروب، والخيبات المتتالية، والخوف من المستقبل، شبابه وأفراحه الطفولية، فاختار المسالك العبثية التي أراحته من أثقال لم يعد قادرا على تحملها، ضارباً عرض الحائط، بالقيم الضاغطة التي لم تعد تناسبه. نصّان أمريكيان وعالميان، أسّسا لهذا الجيل، جيل الخيبة والضياع Beatgeneration : غيتسبيالعظيم، لفيتزجيرالد سكوت، وفي الطريق، لجاك كيرواك. وكلا النصين حُوّلا سينمائيا إذ يعتبران من أهم النصوص الروائية العالمية التي لم تغير وجه الأدب، فحسب، ولكن وجه الحياة الأمريكية أيضاً. الكاتبان يقفان على رأس جيل الضياع الأمريكي الذي تقاسمته المخدرات والكحول والحب بلا روابط ولا ضوابط، والحروب المدمرة التي جعلت من فكرة عيش اللحظة أمراً حاسماً، والآمال الزائفة. فقد وجد جاك كيرواك صعوبة كبيرة في العيش في مجتمع لم يعد يتحمله بعد أن رفض قيمه التقليدية التي أنشأها في الخمسينيات. رواية في الطريق التي كتبها كيرواك في سنة 1952، وأخرجها للسينما في 2012 والتر ساليس walterSalles ، تجسد رغبة أبطالها: صال برادايز، ودين مورياتي وماريلو، في التحرر من الوفاقات المجتمعية الخانقة، والغرق في الممنوعات والماريخوانا والبنزدرين، والروحانيات أيضا، تلك المختارة بحرية، كالبوذية مثلا، التي شكَّلت ملجأ للكثير من الروائيين والشعراء والفنانين، لأنها في اعتقادهم، الديانة الوحيدة التي لم تشهد حروبا تطاحنية، والأسفار التي لا تتوقف، نحو أبعد الأمكنة التي تخلو من مظاهر الزيف الحضاري، ورفض الحروب مهما كانت أسبابها. وبهذا كان كيرواك يحطم يقينيات المجتمع الأمريكي، لهذا استقبلت الرواية، يوم صدورها، بحفاوة كبيرة. أما غيتسبي العظيمThegreat Gatsby فكانت رواية مثلت عصرا بكامله. حولت في 2013 إلى فيلم بتقنية الأبعاد الثلاثة، من إخراج الأسترالي باز لوهرمن BazLuhrmann ، بعد أربعين سنة من الاقتباس الأول الذي قامبه جاك كلايتون JackClayton باعتماد حرفي على رواية فيزجيرالد سكوت F. Scott. Fitzgerald،الذي عبر بقوة عن جيل الضياع، حيث كل شيء كان ينذر بشيء مدمر. الحرب العالمية الأولى كانت جراحاتها القاسية ما تزال حية. الثانية كانت على الأبواب. فترة الربح السريع وت هريب الخمرة الممنوعة رسميا، والغنى السريع، وصعود بورجوازية عمياء في علاقتها بالمال، لا تقاليد تاريخية لها ولا تعرف إلا الاستفادة من وضع مجتمعي واقتصادي مفكك. في هذا الوضع الملتبس يجد جاي غيتس، المدعو غيتسبي، نفسه يعوم في غنى غير مسبوق، يجعله مثار تجاذب الكثير من الذين يريدون النفوذ والاقتراب منه، ومن ماله، ومقاسمته سهرات الليالي الحمراء، والخمرة والكوكتيل والرقص، داخل مساحات وحدائق قصره الساحرة. يلعب غيتسبي لعبة الإنفاق بلا حسابلإدهاش المرأة التي سلبت عقله، ديزي Daisy، زوجة المليونير تومبوشنان، لكنه يخفق في مسعاه، فينهار كل شيء، وتبدأ عميلة الانحدار المتسارع. غيتسبي العظيم، واحدة من الروايات التي تعيد إلى الواجهة ذاكرة المال الأمريكية التي جعلت منها إمبراطورية الزمن الحديث . هذا النجاح الأدبي والسنيمائي باعتماد نصين روائيين كبيرين، ليس غريبا. فعندما يلتقي الأدب المعبر عن زمنه بدقة وعن الزمن اللامحدود، بالسينما الجديدة، يشكلان ثنائية مدهشة إبداعا وكتابة وارتقاء بالذوق. كم يتحدث بطلا سكوت فيزجرالد وكيرواك عن حياتهما الملتبسة التي تصل حد اليأس، وعن حياتنا أيضا، المعرضة لكل الانهيارات والمخاطر. أجيال اليوم هي أيضا أجيال الخسارات المتكررة واليأس المستشري، بالخصوص في العالم العربي الذي فقد البوصلة منذ مدة ليست بالقصيرة وأصبحت الأجيال المتلاحقة تعيش يأسا شبيها. ما أشبه البارحة باليوم. وكأن الزمن ليس إلا قوسا صغيرا لا قيمة فعلية له. ما أحوجنا إلى قراءة هذه الروايات عربيا وتمعنها بدقة، والالتباسبها، لأنها تشبهنا في كل التفاصيل التي تقودنا اليوم نحو الحائط. حائط اليأس المخيف، المشوب بتطرف غير مسبوق. لم يدرك بطلا الروايتين أن الحلم الجميل بحياة ساحرة، كان وراءهما وليس أمامهما، في شكل حطام كبير، غير مرئي. حلم غائم وسط ظلمة المدينة حيث كانت مساحات النور القليلة والوهمية تنتفي عبر الظلمة التي اجتاحت دواخل الناس. كان لغيتسبي إيمان بهذه اللمعة الخضراء، ديزي، وفي هذا المستقبل الشهي الذي كان يتقهقر من لحظة إلى أخرى لأنه مؤسس على كذبة الرفاه، والحرية المطلقة، والسعادة الخلاقة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store