Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

قلق حول منظومة قيمنا الاجتماعية

A A
هناك أمور خلافية أستطيع تقبُّل تعدُّد الآراء حولها، لكن ما يقلقني حقاً هو أن يدور نقاش وحوار مجتمعي بين مؤيد ورافض لأمور أخلاقية وإنسانية ينبغي أن تكون محسومة دون جدال لصالح الفطرة الإنسانية السوية، ومجرد وصول الخلاف حولها إلى درجة معينة، يشير إلى وجود خلل في منظومة قيمنا الاجتماعية يستوجب الدراسة والعلاج.

سأشير هنا إلى حالتين حصلتا خلال أسبوع واحد تقريبًا، الأولى مأساة أليمة حلت بالعديد من الأسر التي فقدت أغلى ما تملك في عمل إرهابي دنيء راح ضحيته 39 شخصًا. مأساة تمزَّقت بسببها قلوب أمهات وآباء بشكلٍ لا يملك معه من في قلبه ذرة إنسانية واحدة إلا أن تذرف دموعه تعاطفًا معهم وحزنًا على مصابهم، ودعاء بالرحمة لأحبابهم الذين فقدوهم. مأساة ينبغي أن تتوحد معها الآراء والأقلام والأصوات في اتجاهٍ واحدٍ فقط، هو إدانة الإرهاب الغادر وكشف خسّته ودناءته.

أما أن يتحوَّل الأمر إلى نقاشٍ وحوار حول ماهية المكان الذي فقد فيه الضحايا أرواحهم، فهو أمر غير مقبول ولا حتى مفهوم.

الأمر الذي يدعو لبعض التفاؤل هو أن الأصوات العقلانية في هذه الحالة كانت هي الغالبة، وهو شيء ضروري نتمنى أن يستمر ويتنامى، حتى تنحسر أصوات الكراهية والتطرف وتتلاشى على كافة منصات الحوار المتاحة.

الأمر للعلم لا علاقة له بحرية التعبير ولا بقبول الرأي الآخر كما يجادل البعض، فالرأي الذي يخالف فطرة الإنسان السوية ويُلحق الأذى بالآخرين ويُساند بشكلٍ مباشر أو غير مباشر الفكر المتطرف المغذي للإرهاب، هو رأي يجب التصدي له ونبذه في كل مكان، بل إن من المهم أيضًا محاسبة أصحابه وفقًا لنظام جرائم المعلوماتية الذي يمنع التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.

الحالة الثانية التي حصلت خلال ذلك الأسبوع هي كاريكاتير مسيء، نشرته للأسف صحيفة عرف عنها الرزانة والمهنية، يُهين ودون استثناء كرامة 10 ملايين وافد يعيشون بيننا وفي بيوتنا. نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وصف الكاريكاتير بأنه «ينتقص كرامة الإنسان ويُخالف الأصول الشرعية وقيم ومبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في مواثيق واتفاقات دولية صادقت المملكة عليها».

حقيقة لا أفهم كيف تمت إجازة نشر ذلك الكاريكاتير، وغير المفهوم أكثر هو كيف تعاطف بعض «النخب» معه ومنحوه المبررات والأعذار دون أن يفكر أي منهم ماذا سيكون شعوره لو تم تشبيهه تحت أي مزاعم بذلك الحيوان الكريه الناقل للأوبئة والأمراض؟.

إن تمتعنا بمنظومة قيم اجتماعية سليمة وصيانتها يتطلب من جميع العقلاء التصدي لتلك الفئات المشحونة والمتطرفة وعدم السماح لسيطرة أفكارهم على شبكات التواصل، إضافة إلى ضرورة ملاحقتهم نظاميًا لننعم بمجتمع سوي متسامح خالٍ من التطرف والأحقاد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store