Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسين أبو راشد

الترويح والغناء والشيخ الطنطاوي

A A
الترويحُ في الإسلام أمرٌ مشروعٌ، بل ومطلوبٌ، طالما أنَّه في إطاره الشرعيِّ السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه -أيّ الترويح- عن حجمه الطبيعيِّ في قائمة حاجات النفس البشريَّة، فالإسلامُ دينُ الفطرة، ولا يتصوَّر أن يتصادم مع الطاقة البشريَّة الفطريَّة، أو الغرائز البشريَّة في حالتها السويَّة.

ومن هنا فقد أجاز الإسلامُ النشاطَ الترويحيَّ الذي يعينُ الفردَ المسلمَ على تحمُّل مشاقَّ الحياة وصعابها، والتخفيف من الجانب الجديِّ فيها، ومقاومة رتابتها؛ شريطة ألاَّ تتعارض تلك الأنشطة مع شيء من شرائع الإسلام، أو يكون فيها إشغال عن عبادة مفروضة، والأصلُ في ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ، قَالَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ؟ فَقَالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ.

قال المباركفوري في شرح سنن الترمذي: (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) أَيْ سَاعَةً كَذَا، وَسَاعَةً كَذَا، يَعْنِي لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ عَلَى الْحُضُورِ وَفِي وَقْتٍ عَلَى الْفُتُورِ، فَفِي سَاعَةِ الْحُضُورِ تُؤَدُّونَ حُقُوقَ رَبِّكُمْ، وَفِي سَاعَةِ الْفُتُورِ تَقْضُونَ حُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ. انتهى.

ومن هنا فإنَّ الترويح يمكن أن يكون له بُعدٌ تعبديٌّ إذا احتسبَ الإنسانُ قربة لله، أو ليتقوَّى به على الطاعة.

فليس بمستغرب، ولا عجيب أن تطلبَ نفسُ المسلم الراحةَ والترويحَ، وإمتاعَ النفس، ولكنَّ العجيب حقًّا هو ربط هذا الترويح، وهذه المتعة بالمحرَّمات.

والواجب عند الاختلاف ردُّ ذلك إلى كتاب الله، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً». النساء:59.

الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- في برنامجه نور وهداية، أجاب عن سؤال في الغناء، هل الغناء حلال أم حرام؟ أجاب الأصل في أمور الدنيا الإباحة ما لم يرد نصٌّ من الكتاب والسُّنَّة، وأوضح بأنَّه ليس من دعاة الغناء، ولا يدافع عنه، ولا عن المغنيين، والهدف من إجابته لتوضيح حكم الله، وعدم الغلو، أناس يفتون بتحريم الغناء وليس بأيديهم دليلٌ قطعيٌّ من الكتاب والسُّنَّة، وأوضح كان فيه قينتان (مغنيتان) لعبدالله الجدعان، أهدر دم إحداهما، كانتا تغنِّيان بجاهة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلم، وأوضح الشيخ الطنطاوي بأنَّه يجب الرجوع إلى كتب العلماء في الفقه، فهذا الإمام الشوكاني أحد الإمامة السلفيين في كتابه نيل الأوطان، وابن المغني أجازا الغناء المعين، فالغناء مختلف فيه عند الأمة والعلماء حسب الغناء، وحسب الكلام المتغنَّى به، وحسب المغني، وحسب جلسة الغناء، وحال السامع، وما يتعلَّق بالغناء، وأثر الغناء في النفس، فيجب عدم الإسراع بالتحريم، والأصل في أمور الدنيا الإباحة، فالتحريم بلا دليل حرام شرعًا، حديث ابن حاتم اتِّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فسر اتِّخاذهم أربابًا بأنَّهم كانوا يحرمون عليهم بدون دليل، وهذا لا يجوز، التحريم لله ولا يكون إلاَّ بدليل قطعي، ومن يحرم بلا دليل أكبر إثمًا مِمَّن يرتكب الحرام، فالغناء المعين حلال شرعًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store