Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

بريطانيا وثقوب في الجدار السوفيتي

رؤية فكرية

A A
• لم يكن أمام الرئيس الأمريكي الجديد (ترامب) عند وقوفه في المؤتمر الصحافي مع رئيسة الوزراء البريطانيَّة تيريزا ماي TheresaMay إلاَّ أنْ يشير إلى تمثال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرشل، والذي قام بوضعه في المكتب البيضاوي الرئيس السابق أوباما.

• والمتأمِّل في العلاقةبين الولايات المتحدة الأمريكيَّة ومستعمِرِها السابق (بريطانيا) يصل إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة لم تستطع أن تنتزع زعامة العالم الغربي إلاَّ بعد اختفاء تشرشل من المسرح السياسي، حيث استقال لظروفه الصحيَّة عام 1955م، وخلفته شخصيَّة كان الفارق بينها وبين تشرشل كبيرًا -أعني رئيس الوزراء أنتوني إيدن Eden- الذي ارتكب حماقةسياسيَّة بتوقيعه بروتوكولاً سريًّا مع كل من فرنسا وإسرائيل، يقضي باحتلال قناة السويس بعد تأميم الرئيس المصري -الأسبق- جمال عبدالناصر لها، بل إنَّ مؤلِّف كتاب (صائد الجواسيس) بيتر رايت يزعم أنَّ المخابرات البريطانيَّة MI6 كانت تخطط لاغتيال الزعيم العربي (ناصر)،وكلّ تلك الحماقات السياسيَّة قام بها إيدن دون أن يتشاور مع الرئيس الأمريكي إيزنهاور Esinhower، والذي كان يخوض انتخابات الرئاسةللمرَّة الثانية، ممَّا حدا بهذا الأخير لتوجيه إنذار لإيدن مفاد ه أنَّه إذا لم يقم بسحب قواته من القناة فسوف تتعرَّض العملة الإنجليزيَّة النقديَّة لمقاطعة ومضاربات؛ ممَّا يؤدِّي إلى تدنيها في أسواق المال. ومعلوم أنَّ الجنيه كان يدعم من الخزانة الأمريكيَّة في تلك الحقبة.

• إلاَّ أنَّ الزعيمة البريطانيَّة -السابقة- مارجريت تاتشر عند صعودها إلى الحكم في عام 1979م، اختارت أن تلعب أوراقها السياسيَّة مع الرئيس الأمريكي الجمهوري المتشدِّد رونالد ريجان Regan، والذي صعَّد خطابه السياسي ضد الاتحاد السوفيتي، واصفًا إيَّاها -أي روسيا- بإمبراطوريَّة الشر.

إلاَّ أنَّ تاتشر بحنكتها السياسيَّة التي لا ترتقي إليها مواهب ممثل من الدرجة الثالثة، حدث أن وجدت في شخصيَّة جورباتشوف السياسيَّة Gorbachevوالذي كان معجبًا بنمط الحياة الغربيَّة ما يمكِّنها من تحقيق أهدافها السياسيَّة.

وعندما قام هذا الأخير بزيارة لبريطانيا عام 1984م خرجت تاتشر لتقف على باب 10 داوننغ ستريت، وتقول -في لهجة واثقة-: إنه بإمكانها أن تتماشى مع جورباتشوف سياسيًّا، وكانت روسيا -آنذاك- تخوض حربًا مكلفة في أفغانستان، فكان قرار القيادة السوفيتيَّة الجديدة، وتحت تأثير ريجان - تاتشر مفاجئًا، وهو سحب الجيش السوفيتي من المياه الدافئة عام 1988م، ثم جاء السقوط المروِّع للإمبراطوريَّة السوفيتيَّة، وسقوط جدار برلين، وانتهاءحقبة الحرب الباردة، وأفول الفكر الماركسي.

• ويمكن القول إنَّ تيريزاماي تملك من المواهب السياسيَّة ما جعلها تؤثر في شخصيَّة الرئيس ترامب، وبدا ذلك في إعلانها وهي تقف بجانبه في البيت الأبيض بأن ترامب سوف يقف مئة في المئة مع بريطانيا في عمليَّة دعم حلف الناتو، كما أكَّدت على أنَّه يجب أخذ كثير من الحيطة والحذر عند التعامل مع الرئيس الروسي الحالي بوتين، داعية إلى عدم رفع العقوبات السياسيَّة عنه على خلفية الوجود الروسي في جزيرة القرم.

• لقد فصل بينبروز تاتشر ورديفتها ماي المحافظتين أكثر من ثلاثين عامًا، فهل تنجح ماي في استدراج الرئيس الأمريكي الجديد لاحتضان أفكارها السياسيَّة، كما فعلت تاتشر مع ريجان، ونجحت إلى حد بعيد!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store