Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

ضربة حظ.!

A A
لا يمكنُ أن ننكرَ وجودَ الحظِّ في الحيَاةِ، وهو جزءٌ مِن أقدار الله تعالى في مخلوقاته، فأبناءُ الأغنياءِ ينالهم الغنى مِن والديهم، وللذُّريَّةِ نصيبٌ وافرٌ مِن السمعة الطيِّبة لآبائهم وأجدادهم، «وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا»، حتَّى الأمراض الوراثيَّة كالسكَّري والصَّلَع، تنتقل إلى الأجيال التالية، عن طريق المورِّثات (الجينات)، وكذلك عن طريق الحظِّ، فلا تسألْ قريبًا أو صديقًا عن سببِ اصطحابِهِ لدواء السكِّري في إقامته وسفره، ولو فارقْتَ أحدَ أصحابكَ مدَّةً مِن الزمن، ثمَّ رأيتَه؛ فلا تستغرب انحسار مساحة الشَّعر في رأسِه؛ لأنَّ السببَ وراثيٌّ -كما أثبتَ الأطباءُ بالعِلمِ والبحثِ-، وهكذا تجري مراكبُ الحظِّ في نهرِ الحيَاةِ، تختلف بضائعُها ومواعيد وصولها إلى مراسينا.

قد يقول قائل: أنا سعيدُ الحظِّ، فلستُ بحاجةٍ إلى العِلم أو العمل، وهل أنا مضطرٌ إليه، وأبي عالِمُ العُلماءِ وتاجرُ التجَّارِ؟!، ويقول آخَر: أنا والجهلُ والفقرُ أصدقاء، فما إنْ أطرُق بابَ عِلم، إلاَّ وأجد الأقفالَ الموصَدةَ دوني، وما إنْ أمشي في طريقِ الرزق، إلاَّ وأتعثَّر، وأقع في مشكلات لا تكاد تنتهي، والإجابة على الشخص الأول سهلة، فنقول له: هذا إنجاز أبيك، لكن أين إنجازك أنت؟! وهل يحقُّ لك الفخرُ بما ليسَ لك يدٌ في صناعته ونجاحه؟!، ونقول للثاني: استمرّ في طَلبِ العِلم، ولا تتوقف عن اكتسابِ المال المشروع، وحُسن تدبيره، فإنَّ أبوابَ العِلم تحب الطارقِين، وإنَّ الرزقَ يُحب الخطوةَ الخفيفة.

مِن الاعتقاداتِ الشائعة لدى البعض، أنَّ النجاحَ مرتبطٌ بالحظِّ فقط، وبالتالي فليس لنا القدرة على تغيير حُظوظنا إلى الأفضل، وهذا اعتقاد خاطئ -بلا شك- فمعظم الناجحِين كان لهم دور عظيم، بعْد توفيق الله تعالى، في صناعةِ حظوظهم والنهوض بها، نَعم، الحظ الجيِّد صناعة يُمْكنُ للإنسانِ أن يوفرَ عناصرَها وشروطها وخطة تنفيذها، «وَمَا يُلقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، وأتذكَّر أنَّ أبي -رحمه الله- حين كان يَحثُّ أحدَ إخواني أو أخواتي على القيامِ بعملٍ ما، يقول: قُم، قام حظَّك يا ولدي، وهذه رسالة عقليَّة نفسيَّة هامَّة مضمونها: يا بُنيَّ، تذكَّر -دائمًا- أنَّك حين تنهض، وتترك عنك التسويفَ والكسلَ؛ ستُحقِّق مرادَك، وينهض حظُّك بنهوضِك، إنْ شاءَ اللهُ.

يا صَديق الحرف، لا يتوقف الحظُّ السعيد عند مَن حازَ الأموالَ الطائلةَ، وسَكن المبانيَ العاليةَ، وعاش كما يعيش الأثرياءُ، بل إنَّ للحظِ معانيَ أكثر عُمقًا، وأهمّ أثرًا، فأنت محظوظٌ جدًّا بإيمانك ووطنك وعائلتك وصحتك وهدوء بالك، ومحظوظ إذا عرفتَ شخصًا فيه صفات القريب والصَّديق والحبيب، أينما التفَتَّ وجدتَه أمامَك، وكلَّما تاهت خطواتُك كان دليلك، يمنحك الثقةَ بكلامه الإيجابي، ونصائحِه الصادقة، يصغي إليك بقلبه، تضحك معه مِن أعماقِ قلبك، وفي كلِّ مرَّة تتَّصل به أو تقابله؛ تشعر أنَّ الدنيا بخير، وأنَّ بها أرواحًا نقيَّة، تستحقُّ الحُب، لأنَّها آمنتْ بإنسانيتِنا، وجعلتْ لحياتِنا قيمةً، ولذواتنا معنى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة