Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

نساء قبل الأوان

A A
كثيرا ما طرح هذا المشكل اجتماعيا. من غير المعقول أن يتزوج رجل غني أو فقير، شابة في عمر أصغر بناته. ويتساءل المنشغلون بهذا الموضوع، كيف ستكون هذه العلاقة في النهاية؟ لا يحتاج الأمر إلى كبير تفكير، ستكون غير طبيعية مهما كانت المبررات المقدمة. ليس فقط عامل السن الذي يجعل العلاقة غير طبيعية ومختلة، ولكن أيضا نظام التفكير، والحياة، والمطالب الفكرية والثقافية والجسدية لشابة عمرها 17 سنة، غير مطالب رجل سبعيني أو ثمانيني، مهما كانت الحجج والبراهين والحجج المقدمة. الأهم من هذا كله، هو أن ظاهرة اجتماعية مثل هذه دخلت إلى الأدب بقوة، ودخلت معها نفس منظومة الأسئلة القلقة التي تنتظر إجابات حقيقية ومقنعة. لا يمكن أن يكون الأمر بسيطا وطبيعيا وعاديا. في كل لقاءاتي مع القراء. تحولت داخل النص الأدبي إلى إشكالية سجالية كثيرا ما جعلت بعض النصوص تتعرض للمنع والمصادرة؛ بالخصوص تلك التي ركزت على العلاقة الجسدية والحسية الصعبة التي تنتج عنها عقد مختلفة وثقيلة، وتكشف المستور بشكل معلن ليصبح مكشوفا وظاهرا للقراء. على امتداد العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، يعود نفس السؤال بأشكال مختلفة، لكن جوهره واحد. كيف لرجل ذهب ليخطب امرأة لابنه، يجد نفسه، بفضل أمواله، متزوجا بامرأة كانت موعودة لابنه؟ أكثر من هذا، هي في مقام ابنته أو حفيدته؟ هذا ظلم وليس حقا. أبصم بالعشرة. ظلم وظلم كبير لأنه يضعنا أمام معادلة إنسانية سُرق منها فحواها الإنساني. لكن عندما نصل إلى تكملة السؤال، أي العلاقة بين الشابة (رقية أو روكينا) في رواية نساء كازانوفا، مع حبيبها الحقيقي عليلو الذي سرق منها، تبدأ التوبيخات المتتالية التي لا ترحم، ولا تدخل في حكمها أي ظروف مخففة. ويصبح كل شيء رديفا للخيانة الزوجية. لا حق لها في فعل ذلك. إفساد لأخلاق المجتمع؟ الحلول السهلة؟ وينتهي الأمر باعتبار المجني عليها، جانية وتستحق العقوبة القصوى. السياق يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. ما حدث هو رد فعل من وضع شديد القسوة. لأن فعلا كالذي ارتكبته روكينا يتبطن غواية التقليد، كما يقول بعضهم، ويمكنه أن يقود الفتيات اللواتي تعرضن لنفس الوضعية إلى المسلك نفسه. أتذكر بالضبط فلوبير في مدام بوفاري، حيث حول النقد الضدي إيما بوفاري إلى نموذج للخلاعة، وصودرت الرواية. الذي يتم نسيانه في هذه المعادلة المتشابكة هو أن كل فرد يتحرك في النهاية وفق بنيته الاجتماعية والنفسية، وليس في حاجة إلى نموذج يقتدي به. الدرس لا يصبح مهما إلا إذا عدنا إلى مركزه. أي كيف تسرق الحياة من شخص وُجد ليعيش، لا لينتحر أو يقتل نفسه. ينجر عن ذلك سؤال من القراء عربيا، ليس أقل خطورة: ألا توجد مبالغة في التوصيف الأدبي للظاهرة، في الزمن الذي نعيشه؟ لقد تغيرت المجتمعات ولم تعد المرأة تُزوج قسرا، ومن رجل له أضعاف عمرها. هناك قوانين وضعية، ويمكنها أن تشتكي وتحصل على حقها في إلغاء الزيجة؟ تنتابني دهشة القارئ والأستاذ المربي والكاتب، الذي قبيل أن يكتب، يعايش الظواهر طويلا، ويختبرها على فترات طويلة. فهو مستمر الملاحظة والتخزين، فلا كاتب يكتب من الفراغ. واحدة من اثنتين. إما أننا مخطئون كليا، وعلينا أن نعتذر لقرائنا، وإما أننا ننظر بعين واحدة وننطلق من خطأٍ فادح، وهو الظن بأنه في العالم العربي لا يوجد إلا سكان المدن الكبرى المسيرة بضوابط قانونية مدنية، ويخلو هذا العالم العربي من المدن الصغيرة والقرى والمداشر، والقبائل، تسيرها الأعراف القبلية القديمة. المسألة في النهاية، ليست روائية فقط، أي ليست محط فعل تخييلي، ولكنها مجتمعية أيضا. كما يقول الروائي الأمريكي دوغلاس كينيدي، في كتابه الحواري الأخير: أنا لا أكتب إلا ما أراه، أو أحسه، أو ما يشغلني كإنسان يعيش زمنا مبهما وصعبا. من ينزل نحو قاع المجتمع العربي، يجد ببساطة أنه، على الرغم من النظم الحضارية الحديثة التي يستمتع بها إنسان القرن الحادي والعشرين، ما يزال محكوما بنظم قبلية شديدة التخلف. من هنا، علاقة العربي ثقافيا مع المرأة شديدة التصلب والغموض أيضا. وأن صوتها يجب أن لا يكون مسموعا، لأن وجودها شديد اللبس والخطورة. بعض المجتمعات الصحراوية تقبل بالتزويج المبكر على أساس أن النمو الجسدي والعقلي للفتاة يختلف من مكان إلى مكان. الأمر ليس أكثر من مجرد فونتازم يصنعه المخيال العام لتبرير أفعاله. يقوم الأدب في هذا السياق بكشف الغطاء عن حالات الصمت والبياض المفروض، ويتيح فرصة كبيرة للصامتات لكي يتكلمن. الرواية ليست إلا إعادة تصنيع المجتمع ووضعه في مدار الكتابة والتخييل، لكن التمظهرات الاجتماعية تظل قائمة أو محتملة الوقوع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store