Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عائض الردادي

أنا يوسف وهذا أخي

A A
حكى الله في كتابه العزيز أن إخوة يوسف عليه السلام لما دخلوا عليه خاطبوه بالعزيز أي المَلِك «فلما دخلوا عليه قالوا: يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضر» (سورة يوسف 88).. وعندما قال لهم «هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه» كان الجواب «أإنك لأنت يوسف»، لم يجب عليه السلام بالوصف الذي وصفوه به بل قال: «أنا يوسف وهذا أخي»، ولم يقل أنا عزيز مصر بل ذكر اسمه خاليًا من أي صفة، وقد قرأت تغريدة علق كاتبها بقوله: «صاحب النفس الرفيعة لا يلتفت إلى المناصب والرُّتَب».

وتذكرت إلى جانب ذلك قصة تحكي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان ينظر في ضوء سراج في معاملات تخص الشعب، فلما انتهى منها ذهب إلى السراج بنفسه وأطفأه لأنه يرى أنه من المال العام، وقد انتهى نظره في معاملات متعلقة به، فقال له أحد مجالسيه: يا أمير المؤمنين، هلّا أمرتنا نطفئ السراج، فكان جوابه «ذهبتُ وأنا عمر، وعدتُ وأنا عمر».

هذان نموذجان من ذوي النفوس الرفيعة الذين لا يرون شخصيتهم وقيمتهم في الوظيفة ولم تغيّر الوظيفة شيئًا منهم، لأنها مثل الثوب الذي يرتديه لابسه، إن كانت قيمته في ثوبه أو مشلحه في أيامنا فإن هذه القيمة (إن كانت قيمة) ستذهب بخلعه، وإن كانت القيمة للابسه فهو لم ينقص معه شيء، ويروى أن معاوية استخف برجل يلبس عباءة ممزقة، فقال الرجل: يا معاوية إن من يكلمك من في العباءة وليست العباءة.

الناس مخابر لا مناظر، ومن علت به نفسه لن تخفضه وظيفة غادرته، ومن دنت به نفسه لن يرفعه مشلح ولو أماله إلى خلف الكتف تيهًا وعجبًا، وقد أسفتُ عندما رأيت مثقفًا يتخطى الناس ويطلب من المنظمين لحفل أن يضعوه في الصف الأول، ولو أكرم نفسه لما فعل ولزاد رفعة لنفسه في عيون من هان في عيونهم.

بعض من نال شهادة عليا يقدم نفسه بها قبل اسمه، وبعض من حصل على رتبة عسكرية كذلك، وبعضهم يصف نفسه بالشيخ لعلمه أو ماله أو غير ذلك، وقد يتمعّر وجهه لو لم يصفه من يكلمه بذلك. وقد عرفت رجالًا من العلماء والمثقفين لا يقدم نفسه إلا باسمه مجردًا كما قال يوسف «أنا يوسف»، وهؤلاء هم القدوة والأسوة الحسنة، بل هناك من يغضب لو لم يخاطب بما هو موروث من الصفات العثمانية كمعالي وسعادة وفي دول أخرى بالباشا ونحوه.

لو ذهبت أتتبع النماذج المشرقة في تاريخنا لأوردت الكثير، ولكنها إشارات، فقيمة النفس الرفيعة في تواضعها لا في كبرها وغطرستها، ومن علا لمظاهر أو وظائف سيعود كما كان إذا زالت، ومن حفظ نفسه منها بقي قريبًا من الناس، محترمًا منهم كما كان ومعدنا نفيسًا مذكورًا بالخير، مقدرًا ممن عرفه ومن لم يعرفه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store