Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

اختصار الكلام في أهمية مراعاة الذوق العام

الحبر الأصفر

A A
مِن الوَاضِح أَنَّ مُجتمعنَا؛ بحَاجَة إلَى كِميَّاتٍ كَبيرَة وجُرعَاتٍ وَافية؛ ممَّا يُسمَّى عِلْم «الإيتيكيت»، أَو عِلْم «مُرَاعَاة الذَّوق العَام» -كَما عَرَّبه شَيخُنا «عبدالقدوس الأنصاري»-، لأنَّ مَن يُتَابع مُحَادثة النَّاس، وأَسئِلَة بَعضهم لبَعض، يَلمس فِيهَا جَانِبًا مِن قلَّة الذَّوق، وفَقْر اللَّبَاقَة، والتَّعدِّي لَيس عَلى المَال العَام، بَل عَلَى حَيَاة الإنسَان الخَاصَّة..!

دَعونا نَطرح المِثَال، حَتَّى يَتَّضح مَضمون المَقال:

تَقول لأَحدِهم: أَنَا مسَافر مِن جُـدَّة -بضَم الجِيم- إلَى القَاهِرَة -بكَسر الهَاء-، فيَقول لَكَ مُبَاشرةً -إذَا كَانَ نَجدي اللَّهجة-: «وَرَاه؟ وش عندَك؟»، أَمَّا إذَا كَان حِجَازي اللِّسَان، فيَقول لَكَ فَورًا: «لِيش؟، إيش عندَك فِي مَصُر -بفَتح المِيم وضَمِّ الصَّاد-؟!

مِثَالٌ آخَر: تَركب مَع صَاحِب الأُجرَة، ومَعرفتك بِهِ لَم تَحدُث إلاَّ مُنذ دَقَائِق، فيَسأَلك قَائلاً: «وش تَعوِّد؟»، ودَائِمًا مِثل هَذه الأَسئِلَة؛ أُجيب عَنهَا بإجَابَتين، إمَّا «أعوِّد وَرَا»، أَو «أعوِّد رِيوس». وبالتَّأكيد لَن تُعجبه الإجَابَة، فيَسأَل: «هَل أَنتَ مُوظَّف»؟، فأَقول لَه: «نَعم، ولَكن فِي إجَازة». فيَقول: «مَا نَوع الإجَازة؟، هَل هي اعتيَاديَّة؟، أَم اضطرَاريَّة؟، أَم مَرضيَّة؟، أَم عَرضيَّة؟، أَم استثنَائيَّة»؟.. وكَمَا تُلَاحظون، فمِن أَجل «اللَّقَافَة» قَد حَفِظَ كُلَّ أَنوَاع الإجَازَات، التي لَا يَحفظها حَتَّى مَن يَعمل بوزَارة الخِدمَة المَدنيَّة! عمُومًا أَجبته أَنَّني فِي إجَازة مَرضيَّة. فقَال: «لَا يَبدو عَليكَ المَرَض، لأنَّ صِحتَك مِثل صحَّة البغَال». إلَى هَذا الحَد انتهى السِّينَاريو، لأنَّه انتَقَل مِن قلَّة الأَدَب، إلَى انعدَام الأَدَب، مَع أَنَّ لَديه أَسئِلَة كَثيرة قَرأتُها فِي عَينيه، مِثل: «إلَى أَيِّ مُستشفَى ستَذهب فِي إجَازتك المَرضيَّة»؟، و»هَل لَديك تَأمين طبِّي»؟.. إلخ!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ شَهوة النَّاس فِي طَرح الأَسئِلَة لَا تَنتَهي، لأنَّهم يَجعلون الأَسئِلَة تَتوَالَد مِن بَعضها، فإذَا كُنتَ غَير مُتزوِّج سَألوك: «لِمَاذا لَم تَتزوَّج»؟، وإذَا كُنتَ مُتزوِّجًا ولَيس لَديك أَطفَال سَألوك: «لِمَاذَا لَم تُنجب؟، هَل المُشكلة مِنك أَم مِنهَا»؟، وإذَا كُنتَ مُتزوِّجًا بامرأة وَاحِدَة قَالوا لَك: «لِمَاذَا لَم تَتزوَّج زَوجَة ثَانية»؟، وإذَا كُنتَ لَديك زَوجة ثَانية سَألوك: «لِمَاذا لَم تَتزوَّج بثَالِثَة».. إلخ!

يَا قَوم: لَيتنَا نُحوِّل شَهوة طَرح مِثل هَذه الأَسئِلَة؛ إلَى ميدَان العِلْم والفِكر، فلَو تَحوَّلت فِعلاً، لأصبَحنَا مُجتمع المَعرفَة، ولحَصلنَا عَلَى تَقدير «امتيَاز»..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store