Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

التزوير والتسطيح في ثقافة التشليح

الحبر الأصفر

A A
مَع ظهُور الأَجهِزَة الذَّكيَّة، وتَدَاعيَات الوَاتس أَب، بَدَأْنَا نُلاحظ انتشَار ثَقَافة التَّشليح.. وسأُقدِّم لَكُم تَعريفًا لهَذه الثَّقَافَة، وشَرحًا لمُكوِّناتهَا وأَبعَادهَا..!

التَّشليح كَلِمَةٌ يَعرفها أَصحَابُ السيَّارات، وتَعني حُوشًا كَبيرًا مَملوءًا بسيَّاراتٍ تَالِفَة، لَا أَمَل فِي إصلَاحهَا، حَيثُ يَتم تَفكيك مَا بَقي فِيهَا مِن قِطع سَليمة، لَا تَتوفَّر إلاَّ فِي الوكَالَات، وأَحيَانًا لَا تَتوفَّر فِيهَا، فإذَا كُنتَ -مَثلاً- تَبحَث عَن «طَاسَة» لسيَّارة كَرَاون مُوديل 84، فأنتَ قَد لَا تَجدهَا إلاَّ فِي التَّشليح، لِذَا ستَشتَريها وتَستَخدمهَا، وإذَا أُصِيبَت البَطَاريَّة بالعُطل، فأنتَ تَذهَب إلَى التَّشليح لتَشتري بَطَاريَّة أُخرَى.. وهَكَذَا كُلَّما احتَجتَ قِطعة اشتَريتهَا مِن هُنَاك، لتُصبح سيَّارتك -فِي النِّهَايَة- مُكوَّنة مِن بَقَايَا سيَّارات أُخرَى..!

إنَّ مَا يَنتَشر الآن مِن ثَقَافة بَين النَّاس؛ مِن خِلال وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي -وبالذَّات الوَاتس أَب- هِي ثَقَافة تَشليح بامتيَاز، حَيثُ المَعلومَة بِلَا سَند، والقَول يُنسب إلَى غَيرِ قَائله، والجُملَة تُحَال إلَى غَيرِ مَعنَاهَا.. وحَتَّى نُبيِّن المَقَال بالمِثَال، إليكُم بَعض نَمَاذج هَذه الثَّقَافَة:

تَأْتِيكَ رِسَالة تَقول: (يَقول «أحمد بن حنبل»: الخَجَل أَفضَل مِكيَاج للمَرأة)، ثُمَّ تَصلك صُورة قُصَاصَة خَبر بعنوَان: (بَاحث يَزعم أَنَّ المُتنبِّي «نَصرَاوي»)، أَو تَصلك رِسَالة ثَالِثَة بعنوَان: (عَاجِل: مَقطع فِيديو نَادر لمُنَاظرة -بَين الجَاحظ والأصمَعي- حَول قيَادة المَرأَة للسيَّارة)، ولَا تَستغرب إذَا فَتَحتَ جَوَّالك؛ فوَجدتَ رِسَالة رَابعة تَقول: (يَقول «ابن بطُّوطة»: وَرَاء كُلّ رَجُل عَظيم امرَأة، لِذَلك احرِص عَلى تَعدُّد الزَّوجَات، حَتَّى يَكون وَرَاءَك أَربَع نِسَاء)..!

إنَّ هَذه النَّمَاذِج وغَيرهَا بالآلَاف؛ يَتدَاولهَا النَّاس يَوميًّا فِي جَوَّالاتهم، وشَاشَات «وَاتسأباتهم»، ويَتقبَّلونهَا باعتبَارها مُسلَّمَات قَطعيَّة الدَّلالَة والثّبوت..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ نُذكِّر بأنَّ ثَقَافة التَّشليح أَصبَحَت بِضَاعةً رَائِجَةً، وفَلسَفة مُسوِّقيهَا لَا تَختَلف -كَثيرًا- عَن فَلسَفة أَصحَاب أَحوَاش التَّشليح، الذين يُوهمون البُسطَاء بأنَّ هَذه القِطَع -أَي المَعلومَات- حَقيقيَّة وأَصليَّة، فمِن المُستَحيل أَنْ يَكون المُتنبِّي «نَصراويًّا»، ولَا مِن المَعقُول أَنْ يَكون الإمَام «أحمد بن حنبل»، قَد أَدرَك «المِكيَاج»، لذَلك مِن الضَّروري أَنْ يَتأكَّد الإنسَان مِن المَعلومَات قَبْل إِرْسَالِهَا..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store