Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

تحويل المطر من المنفعة إلى الضرر

الحبر الأصفر

A A
نَاصيَة: «كَانت الأَمطَار تَذهَب إلَى بطُون الأَوديَة ومَنَابِت الشَّجر، ولَكن حِين ذَهَبَت «الأَوديَة والمَنَابِت» إلَى خَانة «المِنَح والصّكُوك والشّبوك»، لَم تَجد السّيول إلَّا الشَّوَارع، لتُعبِّر فِيهَا عَن رَأيها فِيمَا حَدَث»..!

مُنذ زَمنٍ، والنَّاس تَتفَاعل مَع المَطَر، بالسَّلب وبالإيجَاب، ولَعلَّ أَوّل مَن تَخوَّف مِن المَطَر، هو الشَّاعِر الكَبير «نزار قبّاني» حِين قَال:

أَخَاف أَنْ تُمطر الدُّنيَا ولَستِ مَعي

فمُنذ رُحتِ وعِندَي عُقدَة المَطرِ

أَمَّا عَلَى الصَّعيد المَحلِّي، فأَصبَح الحوَار مَع المَطَر؛ يَمتَاز بالسَّلبيَّة والسُّخريَة القَويَّة، لَيس بسَبَب جَدليَّة المَطَر، وإنَّما بسَبَب هَشَاشة البِنية التَّحتيَّة..!

المَطَر إذَا نَزل أَصبَح لَقيطاً، لأنَّ كُلّ جِهَة تَتبرَّأ مِنه، وتَتَّهم الجِهَة الأُخرَى بالتَّقصير، مِن هُنَا أَصبَح المَطَر جُملة؛ تَأْتِي عَلَى النَّاس مَرَّة فِي السَّنَة، ليَبُوحوا لَهَا بأَسرَارهم، وتَبُوح لَهم بأَسرَارهَا..!

قَالوا فِيمَا قَالوا: إنَّ المَطَر لَيس مُوَاطِناً، حَتَّى يَتم تَصريفَه، ثُمَّ قَالوا: إنَّ المَطَر مُراقِب غَير حكُومي، يَقوم بزيَارة مُفَاجِئَة مَرَّة كُلّ سَنَة، لكَشْف ورَصد مَنَاطق الخَلَل فِي الدَّوَائِر والممرَّات والطُّرقَات، ثُمَّ تَمَادَى النَّاس وتَوسَّعوا فِي أَفكَارهم وقَالوا: إنَّ شَلَّالَات فيَاجرَا العَالميَّة؛ فَتَحَت فَرعاً لَهَا فِي جنُوب جُدَّة، ثُمَّ قَالوا: إنَّ المَطَر كَان فِي السَّابِق نِعمة، ثُمَّ تَحوَّل بسَبَب الفَسَاد إلَى نقمَة..!

أَكثَر مِن ذَلك، جَاء أَحَدُ المُتحَذلقين باللُّغَة فقَال: هَل تَعرفون مِن أَين أَتَت كَلِمَة مَطَر؟، قُلنَا لَه: أَنتَ أَعلَم مِنَّا، لَيتَك تُخبرنَا مَا أَصْل هَذه الكَلِمَة، فقَال: مَطَر تَتكوَّن مِن ثَلاثة حرُوف، حَرف المِيم يَرمز إلَى مَهزلة، والطَّاء تَرمز إلَى طَامَّة، والرَّاء تَرمز إلَى رُعب..!

لقَد كُتب عَن سيُول جُدَّة الكَثير، ولَازَال النَّاس يَكتبون ويَتنَاقلون فِي وَسَائِل التَّواصُل، الغَرقَى هُنَا، والخَسَائِر هُنَاك، والحَوَادث بَين هَذا وذَاك، والمُراقِب يُلَاحظ أَنَّ مَا مَرَّ فِي السَّنوَات المَاضية يَمر الآن، وصَدّقوني لَو أَعدتُ نَشر مَقال كَتبته قَبل 9 سَنوَات عَن المَطَر، لَن يُلاحظ أَحَد أَي تَغيير، حَتَّى لَو كَان «سِيبويه» -يَرحمه الله-، لأنَّ الخَبَر هو نَفس الخَبَر، كَمَا يَقول الفَنَّان «أصيل أبوبكر سالم»..!

يَا قَوم، صَدّقوني، إنَّ مِن عيُوب المَطَر؛ أَنَّه يَأتي كُل سَنَة ليُذكِّرنا بأَخطَائِنَا، ونَحنُ قَوم نَنسَى، لِذَلك أَتقدَّم بمَعروضي هَذَا إلَى المَطَر، وأَتمنَّى مِنه أَنْ يَزورنا كُلّ شَهر، حَتَّى لَا نَغفل عَن الجِرَاح، فذَاكرة الإنسَان قَصيرَة، لَا تَحتَفظ بالأشيَاء لأَكثَر مِن ثَلاثة أَيَّام..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: سَامح الله أَسَاتذتنَا فِي النَّحو والقَواعِد.. فهُم حِين درّسُونَا قَائِمة «الأَسمَاء المَمنوعَة مِن الصَّرف»، لَم يَذكروا مِنهَا اسم «المَطَر»، ولَكن حِين جَاءَت السّيول، ووَضعنَا «جُدَّة فِي جُملَة مُفيدَة»، اكتَشفنَا أَنَّ «المَطَر»، هو الاسم الحَقيقي المَمنُوع مِن «الصَّرف»..!

فِعلاً.. النَّظريّة تَختَلف عَن التَّطبيق، فعَلَى مُستوَى النَّظريَّة، كَلِمَة مَطَر مَصروفَة، ولَكن عَلَى أَرض الوَاقِع والتَّطبيق، هِي مَمنُوعَة مِن الصَّرفِ والتَّصريف..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store