Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

ادعاء عدم التحيز.. أحدث موضة للترزُّز!!

الحبر الأصفر

A A
إنَّني أَضحكُ كَثيراً؛ عِندَما أَسمَع مَن يَدَّعي الالتزَام بـ»المَوضوعيَّة»، ويَزعم تَقيُّده بـ»العَقلَانيَّة»، ومَا عَلِمَ هَذا المُدَّعي أنَّ المَوضوعيَّة والعَقلَانيَّة نِسبيّتَان؛ لأنَّ العَقل البَشري «مُتحيِّز بطَبعه»، ويَعمل وفق الإطَارَات الفِكريَّة، التي تَربَّى عَليهَا، سَواءٌ كَانت هَذه التَّربية «دِينيَّة أَو اجتمَاعيَّة أَو اقتَصَاديَّة»..!

ولَا يَستَطيع أَي مَخلوق أَنْ يَتجرَّد مِن المُؤثِّرَات، التي تَربَّى عَليهَا مَهمَا حَاول؛ لذَلك يُحَاول الإنسَان الصَّادق والمَنهجي؛ أَنْ يَتحرَّى المَوضوعيَّة ولَا يَدّعيها؛ لِذَا هو يُحاول أَنْ لَا يَميل كُلّ المَيل، كَمَا جَاء فِي القُرآن الكَريم..!

إنَّ التَّحيُّز الفِكري والميل المَعرفي للأشيَاء؛ التي نَألفهَا، أَصبَح شَيئاً مُسلَّماً بِهِ عِند عُلمَاء الاجتمَاع، وها هو شَيخنا «علي الوردي»، يَقول فِي كِتَابه «خَوارق اللاشعور»: «إنَّ العَقل البَشري مُتحيِّزٌ بطَبيعتهِ، والفَرد العَادِي لَا يَستطيع أَنْ يَتجرَّد فِي تَفكيره، مَهمَا حَاول؛ لأنَّ القيُود التي تُقيِّد فِكره؛ مَغروزة فِي أَعمَاق عَقله البَاطن. إنَّ العَبقري هو الإنسَان الوَحيد الذي يَستطيع أَنْ يَسمو عَن ذَلك، ويُحلِّق في سَمَاء الإبدَاع والاخترَاع. لَا يُوجد عَلى وَجه هَذه الأَرض عَقْل؛ قَد تَجرَّد مِن قيُودهِ الفِكريَّة تَجرُّداً تَاماً، ومِن المُمكن مَع ذَلك أَنْ نَقول: إنَّه كُلَّما كَان التَّجرُّد فِي عَقلٍ مِن العقُول أَتمّ؛ كَانت قُدرته عَلَى الإبدَاع أَعظَم، فالعَبَاقِرَة إذاً يَتفَاضلون بمقدَار مَا يَتحرَّرون - قَليلاً أَو كَثيراً - مِن إطَارهم الفِكري. إنَّ التَّجرُّد المُطلق مُستَحيل، والعَبقريَّة الكَامِلَة كَذَلك غَير مُمكِنَة»..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: «أَيُّها النَّاس، لَا تَعتَقدوا أَنَّ الإنسَان؛ مِن المُمكن أَنْ يَتخلَّص مِن مَوروثَاته المَعرفيَّة؛ أَثنَاء البَحث العِلمي؛ لِذَلك حَاولوا أَنْ تَقتَربوا مِن المَوضوعيَّة والعَقلَانيَّة، ولَا تَزعموا مُمَارستهمَا؛ لأنَّ العَقْل البَشري - كَما قِيل - مُتحيِّزٌ بطَبعِهِ».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store