Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

يوميات تُصنِّف بجلاء.. مراتب الخجل والحياء

الحبر الأصفر

A A
أَصبَحَت اليَوميَّات فِي هَذه الزَّاوية؛ مِن الأَشيَاء المَطلوبَة، لَيس لجَمَالِهَا ورَوعة كَاتِبهَا، بَل لأنَّها مُختَصَرَة، تَتَمَاشَى مَع عَصر السُّرعَة، وتَحمل كَبسُولَات وإرشَادَات بَسيطَة فِي المَعنَى، ولَكنَّها قَويَّة التَّأثير.. لِذَلك دَعونَا اليَوم نُخصِّص هَذه اليَوميَّات، للتَّوغُّل فِي «الحيَاء» وأَمَاكنه، وسَلبيَّاته وإيجَابيَّاته..!

(الأحد): لقَد اهتَمَّ الإسلَام بأَمْر الحيَاء، وعَرفَ النَّاس أَنَّ الدِّين يَحثُّ عَليه، وهو مَا دَخَل فِي شَيء إلَّا زَانه، والحيَاء مَاء الوَجه، لِذَلك إذَا جَاء الحيَاء زَان الوَجه، وفِي ذَلك يَقول الشَّاعِر:

إذَا قَلّ مَاء الوَجه قَلَّ

حيَاؤُه

فلَا خَيرَ فِي وَجهٍ إذَا قَلَّ

مَاؤُهُ

حَيَاءكَ فاحفَظهُ عَليكَ

فإنَّما

يَدلُّ عَلَى وَجه الكَريم حَيَاؤُهُ

(الاثنين): دُعَاة المُسَاوَاة بَين الجِنسين، يَجب أَنْ يُفرِّقوا –

كَثيراً- بَين استعمَال المَرأَة للحَيَاء، واستعمَال الرَّجُل لَه، فالمَرأَة تُحْمَد إذَا كَانت «تَتَمكيَج» بمكيَاج الحَيَاء، بَينما الرَّجُل يُذمُّ إذَا تَصنَّع الحيَاء، وبَالَغ فِيه، لأنَّ المَطلوب مِنه أَنْ يَمتَاز بالأَدَب، ولَيس بالحَيَاء، وقَد قَال الفَيلسوف «آدم سميث»: (الحَيَاء عِندَ الرَّجُل مَرضٌ خَطير، وعِند المَرأة فَضيلَةٌ كُبرَى)..!

(الثلاثاء): أَطلب مِن أُنَاسٍ كَثيرين؛ بأَنْ يَقرَأوا مَا يَكتبون بصَوتٍ عَالٍ، أَو يَنشرون مَا يَكتبون، فيَرفضون ذَلك بعبَارة «أَستَحي»، وهَذه الكَلِمَة تَدلُّ عَلَى استخدَام شَيء فِي غَير مَوضعه، سَوَاء قَالهَا الرِّجَال، أَم قَالتهَا النِّسَاء، وفِي ذَلك يَقول المَثَل العَربي: (الحَيَاءُ فِي غَيرِ مَوضعهِ ضَعفٌ)..!

(الأربعاء): إذَا أَرَدْتَ مَشورة مِن صَديق لَك، فيَجب أَنْ تُكَاشفه وتُخبره بكُلِّ تَفَاصيل المَوضُوع، لأنَّه سيَبني رَأيه عَلَى الحَقَائِق، التي تُفصح عَنهَا، وستَكون المَشورَة جَيّدة بمقدَار صِدقك، لذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (إذَا استَشَرتَ صَديقاً، فَضَع الحَيَاء جَانِباً)..!

(الخميس): مِن الأَشيَاء التي يَستَخدم فِيهَا النَّاس «الحَيَاء» فِي غَير مَحلِّه، الاعتذَار عَن دَفع الصَّدقَة؛ بحجّة أَنَّها قَليلَة، ولَكن مِثل هَذا الحيَاء –

فِي الغَالِب- هو حَقٌ أُريد بِهِ بَاطِل، فالمُتبرِّع لَا يُريد أَنْ يَدفع القَليل؛ بحجّة الحَيَاء، وقَد انتَبه الأَديب الكَبير «طاغور»؛ إلَى هَذا السّلُوك، فقَال: (لَا تَستَحِ مِن إعطَاء القَليل، فالحِرمَان أَقلّ مِنه)..!

(الجمعة): تَشتَري بَعض النِّسَاء أَغلَى المَاركَات؛ مِن مَسَاحيق التَّجميل، وتَقتَني أَغلَى العطُور وأَجمَل المَلَابِس، ومَع أَنَّ هَذه الأشيَاء جَميلَة وجَذَّابَة، إلَّا أَنَّها تَنسَى أَجمَل أَنوَاع «المِيك أَب»، ألَا وهو الحَيَاء والخَجَل، وقَد انتَبَه إلَى هَذه المُفَارقة الأَديب الرُّوسي «بوشكين»، حَيثُ يَقول: (جَمَال بِلَا حَيَاء كوَردَة بِلَا عِطر)..!

(السبت): مِن المَواضِع التي يُستَحسن فِيهَا الخَجَل، بَل غَضّ البَصَر، والصَّدّ بالوَجه، حِين تَدْفَع بَعض الصَّدَقَة لفَقير، فمِن الجَيّد أَنْ لَا تُراقب رَدّة فِعله، حَتَّى لَا تَرَى انكسَاره، وقَد التَقَطَ هَذه اللَّفتَة الشَّاعِر الكَبير «جبران خليل جبران»، فنَصَحَ قَائِلاً: (لَا تَنسَ أَنْ تُدير وَجهك عَمَّن تُعطيه، لكَي لَا تَرى حَيَاءه عَارياً أَمَام عَينيك)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store