Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

واقعة جاسوسية تعيد ترتيب المقاعد عند قمة العالم

المشهد الجاري في الأزمة بين روسيا وبريطانيا على خلفية محاولة اغتيال جاسوس سابق وابنته باستخدام غاز الأعصاب الروسي القاتل فوق التراب الوطني لدولة عضو بالناتو لأول مرة منذ تأسيسه عام ١٩٤٩، هو أحد تجليات صراع يستهدف إنتاج حقائق جديدة للقوة على الأرض، تستبق توزيع الحصص فوق قمة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، لا تنفرد الولايات المتحدة بزعامته

A A
قبل ثمانية وثلاثين عاماً، قاطعت ست وخمسون دولة أول دورة أولمبية تستضيفها موسكو، السبب المباشر للمقاطعة كان الغزو السوفييتي لأفغانستان، قبل عامٍ واحد فقط، المقاطعون تقدمتهم الولايات المتحدة، وشملوا ست دول عربية بينها السعودية ومصر والإمارات، بالإضافة إلى قطر التي لم تُوجَّه إليها الدعوة أصلاً للمشاركة.

ذات المشهد يُوشك أن يتكرر في مونديال كرة القدم الذي تستضيفه روسيا لأول مرة أيضاً، وتنطلق فعالياته في شهر يونيو المقبل، ولكن هذه المرة بسبب محاولة اغتيال جاسوس روسي سابق وابنته في بريطانيا، باستخدام غاز مميت، تقول لندن: إن موسكو تقف وراءها، وتشير إلى استخدام غاز روسي المنشأ.

الأزمة التي فجَّرتها محاولة اغتيال الجاسوس السابق سكريبال (66) عامًا وابنته يوليا (33) عاماً، نقلتها تريزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية إلى مجلس الأمن، وحملت معها أدلة الإدانة التي تشير إلى استخدام غاز الأعصاب الروسي المنشأ (نوفيشوك)، فيما تحدى الكرملين لندن أن تُقدِّم عينة من الغاز المستخدم.

بريطانيا التي حظيت بمساندة كاملة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لوَّحت بمقاطعة مونديال روسيا الذي تنطلق فعالياته في يونيو المقبل، واتخذت قرارها بالفعل بطرد ثلاثة وعشرين دبلوماسياً روسياً يعملون بالسفارة الروسية بلندن، بينما قالت موسكو: إنها سترد بالمثل، ملوّحة بأن أي تصعيد بريطاني سيتلقَّى رداً مماثلاً.

أجواء حرب باردة جديدة يجري استدعاؤها، ضمن أدوات جديدة في صراعٍ للسيطرة على مراكز متقدمة في نظام دولي متعدد الأقطاب مازلنا نعيش مخاض ولادته.

في مقالي المنشور في الأسبوع الماضي عن العولمة، أشرت إلى عملية تفكيك للعولمة تقودها الولايات المتحدة التي قادت عربة العولمة ذاتها في السابق، وقلت إن أمريكا التي أخفقت في أمركة العالم تحت شعار العولمة، تُعيد تفكيكها عبر عملية انسحاب منهجية من بعض مؤسساتها، مثل إيبك، ونافتا، واتفاقية المناخ، بما يُطلق إشارات خضراء للسياسات الوطنية (غير المعولمة) في العالم كله، ويفسح المجال لبروز زعامات جديدة، وفق المفهوم الكلاسيكي الكاريزمي للزعامة، تحت عنوان وحيد: (لكل بحسب قدرته).

وأشرت إلى أن بيئة العلاقات الدولية تتغيَّر، وتتغيَّر معها قواعد الصراع الدولي كلها، وسط ميل دولي للتكيُّف أكثر من أي وقتٍ مضى مع ما تنتجه حقائق القوة من وقائع، وللتعايش مع ما تفرزه من نتائج.

المشهد الجاري في الأزمة بين روسيا وبريطانيا على خلفية محاولة اغتيال جاسوس سابق وابنته باستخدام غاز الأعصاب الروسي القاتل فوق التراب الوطني لدولة عضو بالناتو لأول مرة منذ تأسيسه عام ١٩٤٩، هو أحد تجليات صراع يستهدف إنتاج حقائق جديدة للقوة على الأرض، تستبق توزيع الحصص فوق قمة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، لا تنفرد الولايات المتحدة بزعامته

.

المستهدف إذن، لم يكن مجرد جاسوس سابق، ودوافع الاستهداف لم تكن مجرد رسالة من الروس بأنهم يعاقبون (الخونة)، كما أن الرد البريطاني ليس مجرد رسالة من لندن بأنها ليست مسرحاً مستباحاً لتصفية الحسابات مع عملاء أسدوا خدمات جليلة للتاج البريطاني.

ترقَّبوا توابع الأزمة، دون أن تفقدوا التواصل مع تداعياتها على إقليم الشرق الأوسط في سوريا بالتحديد، أو على منطقة البلطيق، حيث عززت لندن حضورها العسكري في إستونيا «الجمهورية السوفيتية السابقة»، أو على صعيد الأزمة الأوكرانية التي تخلف آثاراً على أغلب أزمات الشرق الأوسط الآن في سوريا وليبيا بالذات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store