Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

دوام الحال من المحال

A A
يَنضمُّ -بين فترةٍ وأختها- إلى نادي المتقاعدين؛ عدد من زملاء المهنة الدبلوماسيين، مِنهم مَن هو نَاقمٌ ومُكتَئِب؛ وهُم قِلَّة ولله الحمد، وقد عُرِفَ عن هؤلاء ممارستهم التسلُّط على مرؤوسيهم، والتعالي على الآخرين. والآن وقد أدركهم سن الإحالة على التقاعد، وجدوا أنفسهم منبوذين حتى من أقرب الناس إليهم. تركوا مكاتبهم خالية الوفاض، دون أصدقاء يصحبونهم في مسيرة الحياة بعد التقاعد، مما أفقدهم طعم النوم والراحة.

أمَّا الحامدون الشاكرون، وهم الغالبيَّة، فقد عُرف عنهم عشق مهنتهم، والتفاني في خدمة وطنهم وأمَّتهم، فكانوا الوجه المشرق المشرِّف، واللسان الصادق الصدوق حيثما حلَّوا، ومع مَن التقوا من الرسميِّين أو العامَّة. استوعبوا رسالة الدبلوماسي، وما يجب أن يتحلَّى به من خلقٍ وثقافة ووعي، ومن حُسن التقاط ما يُشاهده ويسمعه ويقرأه في مقرِّ عمله خارج بلده، لينقل كُلَّ ذلك بأمانة إلى مرجعه.. مع الصدق وحسن الأداء في نقل واقع الحال في بلده، وما تطمح إليه من تعاونٍ وتبادل خبرات مع البلدان الصديقة التي ترتبط معها بعلاقات دبلوماسيَّة يفيدها في تقدُّمها وازدهارها. وهذا ما يُكسب الدبلوماسي في نهاية المطاف رصيدًا ضخمًا من الأصدقاء في البلدان التي عمل فيها، إضافةً إلى ما يتوفَّر له ولأسرته من إقامةٍ مُرفَّهة بمنزل جاهز لاستضافتهم في كلِّ بلد حلَّ به ممثِّلًا لدولته طوال مدَّة خدمته. مقابل ذلك عرفانهم بالجميل لرؤساء البعثات التي انتُدِبُوا للعمل بها، فأحسنوا توجيههم وإرشادهم، لصقل كفاءاتهم ورفع مستوى قدراتهم. ولمَّا حان وقت تقاعدهم، تقبَّلوه بارتياح، إيماناً منهم بأنَّهم أحسنوا أداء الرسالة، متيقِّنين بأنَّ دوام الحال من المحال.. وقد آن الأوان لاستمتاعهم بما تبقَّى لهم من عمر، ليقضوه في تفقُّد أحوال أسرهم التي شغلهم عنها لقمة العيش والجري وراء ارتقاء سلَّم الوظيفة للوصول إلى أعلاها، ممَّا كان له الأفضليَّة على حقوق الزوجة والأبناء والعناية والرعاية المتواصلة.. ها هم الآن يرون في التقاعد تحرُّراً من رتابة الدوام، ودعوة لهم لرعاية المتقدِمين بالعمر من ذوويهم وأقاربهم، ومداعبة الأحفاد.

كم يكون جميلًا قيام المعهد الدبلوماسي في وزارة خارجيَّتنا بتوثيق السير الذاتيَّة لمن لا تزال ذكراهم العطرة باقية من مؤسسي وزارة الخارجيَّة، منذ أن كانت الشعبة السياسيَّة في الديوان الملكي بإشراف المغفور له -بإذن الله- الملك فيصل -يرحمه الله-. ولمن منحهم الفيصل -طيب الله ثراه- ثقته في تسيير عمل الوزارة، في مقدَّمتهم معالي السيد عمر السقَّاف، ومن خلفه من أصحاب المعالي والسعادة السفراء السابقين الذين تسنَّموا مراكز قياديَّة وتركوا رصيدًا من العطاء والثناء، وغادروا دنيانا -رحمهم الله- تاركين بصماتهم في التفوُّق وحسن الأداء، وفاسحين المجال لجيلٍ جديد من السفراء الشباب الذين ساروا على خطاهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store