Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

هل أخذت التكنولوجيا العالم على حين غرة؟

A A
هل أخذت التكنلوجيا العالم على حين غرة لدرجة أحدثت كل هذا الارتباك في المجتمعات، والانهيار لشركات وصناعات ضخمة، والتبدل لنظريات ومفاهيم علمية سادت لعقود طويلة؟، هل فاجأتنا التقنية كطلاب وموظفين ومسؤولين بحيث لم يكن لدينا ما يكفي من وقت للاستعداد لها بالتدريب والتعليم وسن القوانين ووضع الخطط اللازمة لاستثمار إيجابياتها وتلافي سلبياتها؟، هل يكمن الحل الآن في مقاومة هذا المارد ووضع العراقيل أمامه كما يحدث اليوم على سبيل المثال مع «أمازون» التي قال عنها الرئيس ترمب في تغريدات له على تويتر: «عبرت عن مخاوفي تجاه أمازون من قبل وقت طويل من الانتخابات»، «إنهم يدفعون القليل من الضرائب ويستخدمون نظامنا البريدي كعامل توصيلات، كما أنهم السبب في توقف عمل الآلاف من بائعي التجزئة».

الحقيقة أن التكنلوجيا لم تأخذ العالم أو تأخذنا على حين غرة، بل أنها تجلت ونمت على مرأى من أعين الجميع، ليس هذا فحسب، بل أن كثيراً من المتخصصين كتبوا وتحدثوا على مدى عقود عنها وعن الفرص والمخاطر التي أفرزتها وسبل التعامل معها. ومن أبرز ما كتب عن ذلك نظرية «التكنلوجيا المدمرة» عام 1995م للبروفيسور كلايتون كريستينستين، وأسماها لاحقاً «الابتكارات المدمرة»، وهو مصطلح يشير إلى الابتكارات التي تخلق أسواقاً وقيماً جديدة تؤدي إلى تعطيل أو تدمير الأسواق والقيم الحالية، وقد حازت نظريته هذه على لقب أكثر الأفكار تأثيراً في مطلع القرن الواحد والعشرين. ووصف كلايتون هذه الابتكارات بأنها أرخص وأبسط وأصغر، ويمكن استخدامها بتكرار أكبر يستحوذ في النهاية على الأسواق القائمة، وهي صفات تنطبق بشكل دقيق على التكنلوجيا الرقمية. ورأى كلايتون أن هناك ثلاث طرق للتعامل مع هذه التكنلوجيا، وهي: المشاركة بها والتعرف عليها عن قرب، إجراء بحوث التسويق على العملاء الحاليين بخصوصها، والفصل بين العمليات التقليدية والعمليات الجديدة. كما أكد على أن المنظمات التي لا تتخذ إجراءات سريعة وجادة سوف تموت وتنتهي، وهذا تماماً ما حدث لاحقاً لشركات مثل كوداك وتويز آر أص. أمثلة «التكنلوجيا المدمرة» الأخرى كثيرة جداً ومنها «أوبر» وتأثيرها على سيارات الأجرة، و»أير بي أند بي» وتأثيرها على شركات العقار، وبرنامج «آي بي ام واتسون» القانوني وتأثيره المدمر على مكاتب المحاماة، وسيارات «تيسلا» وتأثيرها على صناعة السيارات التقليدية، والطاقة الشمسية وتأثيرها المقبل على أنظمة الطاقة التقليدية.

من المهم جداً لنا أن ندرك أن بناء سدود من القش أمام طوفان التكنلوجيا لن يوقفه أو يبطئه، فكل محاولات ذلك كان مصيرها الفشل، وعلينا بدلاً من ذلك فهم التكنلوجيا والسير معها بنفس السرعة تقنياً ومهنياً وقانونياً، حتى لو استدعى الأمر نهاية أساليب العمل القديمة كلياً قبل أن تجتاحها «التكنلوجيا المدمرة» ويكون الوقت حينها قد فات للحاق بالركب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store