Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

الرهان على شعبية بوتين بعد الضربة

ولكن ما يتمناه العالم اليوم أن لا تكون هذه الضربة اليتيمة تحرك أمريكا الأخير كي لا تخلو الساحة تماماً لقيصر روسيا الذي ازداد قوة وبأساً بعد انتخابه للمرة الرابعة، لتحقيق المزيد من النفوذ والسطوة على حساب الشعوب المستضعفة أولاً، وهيبة أمريكا وسطوتها ثانياً.

A A
راهن كثير من المحللين بعد أن نفذت أمريكا وعيدها وضربت مواقع محدودة في سورية، على شعبية الرئيس الروسي بوتين، خصوصاً بعد أن صرح مندوب روسيا في الأمم المتحدة بأن هذه الضربة تعتبر إهانة للرئيس الروسي، وإهانة الرئيس الروسي لا يمكن أن تمر بسلام، رغم أن الضربات لم تمس الجيش الروسي، بل ولم تمر بمسار طيران الروس في سورية، وهذا الرهان يذكر برهانٍ قريب آخر على إعادة انتخاب بوتين ولم يتوقع أحد بأن يحقق بوتين هذا الفوز الكاسح في الانتخابات الرئاسية ويحظى بفترة رئاسية رابعة تمتد لست سنوات أخرى، فالعرب يظنون أن داء بقاء الرئيس لعشرات السنين أو مدى الحياة ظاهرة مقتصرة على الجمهوريات العربية، ولكن تأكدوا الآن أن هذا الداء بدأ يصيب دولاً كبرى أولها أهم دولتين في المعسكر الشرقي الصين وروسيا، بعد أن عُدل قانون الانتخاب في الصين كما تعدل في دول عربية من قبل ليتيح للرئيس الصيني البقاء في سدة الحكم إلى ما شاء الله، وها هو بوتين يحكم روسيا للمرة الرابعة، ومن يعيش أو يموت بعد ست سنين؟، وقد يعدل الدستور الروسي ويُفصَّل على (مقاس) القيصر. أما غير العرب فقد راهنوا على سقوطه وفي مقدمتهم الدولتان الأهم في المعسكر الغربي، أمريكا وبريطانيا، فقد سخر الإعلام الأمريكي كل أسلحته وقنواته وقضه وقضيضه ليركز على الدور الروسي المشبوه في الانتخابات الأمريكية، وليصوّر تجاوزات الروس في الغوطة الشرقية وسواها من المناطق السورية في قتل وسحق المدنيين وإبادتهم بالغازات السامة المحرمة دولياً. بينما جد الإعلام البريطاني واجتهد في تضخيم حادثة تسميم الجاسوس المزدوج، واتهمت بريطانيا بوتين شخصياً بالإيعاز بقتله، وذهبوا إلى حد القول بأن غاز الأعصاب الذي استخدم في قتله روسي الصنع، واتخذت بريطانيا خطوات غير مسبوقة في طرد عشرات الدبلوماسيين الروس وكذا فعلت أمريكا ودول غربية عدة، واعتبرت روسيا ذلك عملاً عدائياً وبادرت بدورها بطرد عشرات الدبلوماسيين من تلك الدول.

ولاحظ قلة من المراقبين فقط أن الهجمتين الأمريكية والبريطانية عُني لهما أن تكونا متزامتين مع العملية الانتخابية في روسيا علَّهما تصيبان بوتين في مقتل أو تؤديان إلى هزيمته، ناهيكم عن إثارة قضية القرم من جديد التي ابتلعتها روسيا وهضمتها، وعلى عكس ما كانوا يظنون، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وفاز بوتين فوزاً كاسحاً وبدا معارضوه في وضع لا يحسدون عليه من الضعف والهزال، ولا نقول إزاء ذلك إن شعبه معجب به لأنه حقق له رغد العيش، فالوضع الاقتصادي للشعب الروسي مزرٍ للغاية ولم تتحسن أحوال الشعب منذ توليه قيد أنملة.. ولكن الشعب القوقازي مغرم بالقوة والسطوة، ويؤمن بمنطق القوة وليس بقوة المنطق، فكل ما أثير حول بوتين من القتل والإجرام والتسميم والتدخل في شؤون دول كبرى، واغتصاب القرم، ويتصدر ذلك كله بالطبع أفاعيله في الشعب السوري الضعيف المظلوم بمناصرة روسيا لسفاح سورية، وخصوصاً ما فعلته مؤخراً من إبادة العشرات بالأسلحة الكيميائية، ومع الأسف الشديد نظر شعب بوتين إلى كل ذلك على أنه إعادة لهيبة الروس ومجد السوفييت وسطوة البلاشفة، وكل الأحداث على الأرض تزيدهم قناعة بذلك خصوصاً حين يقارنون بين سطوة الروس وتردد الأمريكيين إزاء القضايا الساخنة في العالم. ويبدو أن أمريكا بدأت تتنبه إلى الخطر الروسي القادم الداهم على كثير من مناطق العالم، وتحركت على استحياء مع بعض حلفائها ونفذت هذه الضربة بعد سبات طويل لحفظ التوازن في العالم الذي أخل به الروس، بالتآزر بالطبع مع حلفائهم -أو هكذا يسمون- وفي مقدمتهم إيران،

ولكن ما يتمناه العالم اليوم أن لا تكون هذه الضربة اليتيمة تحرك أمريكا الأخير كي لا تخلو الساحة تماماً لقيصر روسيا الذي ازداد قوة وبأساً بعد انتخابه للمرة الرابعة، لتحقيق المزيد من النفوذ والسطوة على حساب الشعوب المستضعفة أولاً، وهيبة أمريكا وسطوتها ثانياً.

يتمنى العالم أن تستمر أمريكا في التحرك ولو سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً كما ألمح إليه الرئيس ترامب من أن روسيا طلبت أن تساعدها أمريكا اقتصادياً، وتلك نقطة ضعف كبيرة، ذلك أن الضربة العسكرية الثلاثية الأخيرة كانت تحمل رسالة قوية لروسيا دون الالتفات ولو قيد أنملة لنظام سورية المتهاوي، ولكنها لم تكن قاصمة الظهر كما كان الكثير من المحللين يتوقعون، ولم تؤثر بقوة على شعبية بوتين الذي يؤمن بالقوة والبطش أكثر من إيمانه بتحقيق العدالة ونصرة الشعوب المظلومة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store