Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

ليتهم دفنوه بمصر.. مع سميرة وحمدان وخاطر!

A A
كنت أوقن أن الجهات المصرية المعنية لن تهتم كثيرًا بطلب وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الخاص بعدم نقل جثمان العالم الفلسطيني الدكتور فادي البطش إلى قطاع غزة لدفنه في مسقط رأسه، مخيم جباليا. الآن وبعد أن تم الدفن في المخيّم، ثبت للجميع أن جثمان الرجل بعد اغتياله ظل يصيب ليبرمان بالهلع، إلى درجة المطالبة العلنية بمحاصرة روحه!

والحق عندي أن هذا الحصار شأنه شأن حصار الشعب الفلسطيني كله، محض هراء! كيف تُحاصرون أجسادًا كلها كبرياء؟.. وأرواحًا كلها إباء، ورغبة متعطشة للارتقاء؟!

صفّيتموه.. نعم! لكن كيف تُحاصرون روحه، وهي الآن تمرح في الفضاء؟!.

كيف ستُحاصرون كل ما أبدعه أو أنتجه من فن، وعِلمه الآن ينساب ويترقرق في ماليزيا، وفي سائر الكون؟.. تحاصرون من؟!

لقد أثبتت تصريحات ليبرمان أن جثمان فادي حين غادر ماليزيا كان يمتطي الرعد، ويمتشق الريح، ويتّشح بالعزة، ويأتزر بالإباء.. وأن الخوف كل الخوف كان ولا يزال وسيظل من صوته الذي سيتردد بقوة على الحدود، وفي السماء، مبشرًا قوى الظلم والاحتلال بالزوال والفناء!

قريبًا، ومع الأيام سيُدرك ليبرمان، أن «فادي» لم يكن ليصرخ على عدم الدفن في مسقط رأسه، ولم يكن سيحزن إذا لم يُدفن في طين بلاده! سيُدرك ليبرمان يقينا أن الشهيد أو مشروع الشهيد؛ من أجل الحق والعدل لديه من الخيال؛ ما يجعله يثرى بروحه في ربوع الجمال! ولديه من قوّة الإيمان؛ ما يجعل صرخاته وأقواله وأعماله تدوي على الحدود وعبر الجبال: عائدون.. عائدون.. كلنا عائدون.. الشهداء مِنَّا، والأحياء الباقون!

إن «فادي» شأنه شأن كل المخلصين الراحلين، لم يكن ليهمّه عدد المُشيِّعين؛ لأن الملائكة تحمله.. ولا يهمّه شكل الجنازة وعدد المقرئين؛ لأن كل المخلصين يدعون له! لا يهمّه اسمه المنقوش على القبر.. فيكفي نقشه على صدر فلسطين! مع ذلك جاءت الجنازة، كما شاهدها العالم كله، بمثابة عرس أو انتفاضة.

لعل الأطباء الشرعيين، الذين شرّحوا جثته، سمعوه وهو يُردِّد: مزّقوني أو شرّحوني لتُخرجوا الرصاصات الأربع عشرة، وتعرفوا حجم الغدر الصهيوني.. وادفنوني عندكم أو في أي مكان.. فكلها أيام.. ولن تجدوا في قبري سوى فلسطين!

قبل دفن الشهيد العالم الدكتور الشهيد فادي رحت أتخيل لو أن الدفن تم في مصر! ترى أين يكون؟ في أي مدينة أو قرية؟ ومع أي شهيد أو ضحية؟!

في محافظة الغربية مع الشهيدة الدكتورة سميرة موسى، التي سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراة في الأشعة السينية، قبل أن يتم اغتيالها فور أن وصلت رسالة منها، تقول:«لقد استطعتُ أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر، سأُقدِّم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام».؟!

في روض الفرج بالقاهرة، مع العالم الدكتور جمال حمدان، الذي أثبت الطب الشرعي أنه لم يمت مختنقًا بالغاز، كما أن الحروق ليست سببًا في وفاته؛ لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة.. مع اختفاء مسوّدات كِتَابه عن اليهودية والصهيونية؟!

مع شقيقه المصري الدكتور سيد بدير، الذي حصل على درجة الدكتوراة من إنجلترا، ثم عمل في أبحاث الأقمار الصناعية، أستاذًا زائرًا في جامعة ليبزيخ في ألمانيا الغربية، قبل أن يجدوه مقتولًا أو مختنقًا بالغاز المفتوح في شقته بالإسكندرية؟!

مع العالم الفذ الدكتور علي مصطفى مشرفة، «آينشتاين مصر»، الذي أسهم في تطوير نظرية الكم، ونظرية النسبية، وأثبت صحة «ألبرت آينشتاين» بالمعادلات، قبل أن يموت مسمومًا!

ولماذا نبحر أو نذهب بعيدًا، ليتهم شرفونا بدفنه في فاقوس بمحافظة الشرقية مع الشهيد سليمان خاطر، الذي تصدَّى لتسلل الجنود الصهاينة إلى داخل الأراضي المصرية، مطلقًا رصاصات تحذيرية، ومضطرًّا للتعامل العسكري الصارم معهم، قبل أن يتم اغتياله داخل محبسه!

إنه ثرى مصر الذي يفخر بأن يواري جثامين شهداء فلسطين مثلما يفخر ثرى فلسطين بشهداء مصر!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store