Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سعيد محمد بن زقر

بين السياسة والاقتصاد

لهذا السؤال الذي يطرح نفسه كيف يستقيم ادعاء فصل الدين عن الدولة في الدساتير الغربية والأمريكية بينما ممارسات هذه التيارات الدينية المتطرفة تناقض ذلك من أساسه، بل إنها تتمدد ويزداد تأثيرها وحجم نفوذها في جميع انتخابات دول العالم الأول

A A
مقال اليوم يتضمن شيئاً من ملح السياسة ربما لصلتها بالاقتصاد. فمن المعلوم أن الغرب عموماً ينتهج مفهوماً سياسياً يفصل الدين عن الدولة، ولهذا تنص معظم الدساتير الغربية صراحة على هذا التمييز والفصل. ويتفرد الدستور الأمريكي بإعلائه من قيم المساواة على أساس المواطنة وما يعني هذا الفصل بجوانبه الدينية والاعتقادية، بافتراض أن الدستور الأمريكي يمثل خُلاصة ما وصلت إليه الممارسات القانونية والتجارب الغربية من تطور دستوري وقتئذ.

لكن ما يحير كاتب السطور ما يجري في الواقع من مفارقة بين التنظير والتنفيذ، من حيث وجود ممارسات موغلة في تعصبها الديني لحد يكاد يلغي المفاهيم الدستورية أو يحقق نقيضها.

فعلى سبيل المثال نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بعض الوقت شريحة يطلق عليها اليمين الأمريكي الجديد، لها شعارات بالغت في تطرفها الديني. ومع ذلك، هذا التيار في حالة نمو مضطرد وتأثير كبير على المشرعين ومتخذي القرار. لهذا صار يسمى علنًا التحالف اليميني الإنجليكاني المسيحي المتصهين. وقد طور علاقات مع مجموعات تماثله فجمع بين اليمين العلماني واليمين الديني في الولايات المتحدة الأمريكية. فأضحى تحالفاً سياسياً فاعلاً ولكنه يقدم نفسه للشارع العام الأمريكي على أنه صاحب تفسير ديني للعهد القديم والعهد الجديد، من حيث أن عودة المسيح الثانية وشيكة وقد أزف زمانها وحان وقتها، وأن المسيح عندما يعود سيقضي على الذين لا يؤمنون بعقيدتهم هذه!. ومن يتأمل في هذا التفسير الديني وفي الممارسات يجدها وثيقة الارتباط باعتقاد الصهاينة الإسرائيليين الذين يؤمنون بذات التفسير. لا عجب أن تطابقت الأقوال والتفسيرات ودعم ممارسات الصهاينة الإسرائيليين، إذ كلاهما يؤمن بذات الفكرة ويسعى لتحقيقها. ولا عجب فعندما تسأل المسيحي الأنجيلكاني الأمريكي المتصهين: لماذا تؤيد دولة إسرائيل يقول لك: لأن تأييد دولة إسرائيل يسرِّع عودة المسيح وهي ذات الإجابة أو الإفادة التلقائية للصهيوني الإسرائيلي.

لهذا السؤال الذي يطرح نفسه كيف يستقيم ادعاء فصل الدين عن الدولة في الدساتير الغربية والأمريكية بينما ممارسات هذه التيارات الدينية المتطرفة تناقض ذلك من أساسه، بل إنها تتمدد ويزداد تأثيرها وحجم نفوذها في جميع انتخابات دول العالم الأول. وقد أضحت سطوة هذه التيارات غالبة على الاختيارات منذ انتخاب الرئيس جورج دبليو بوش، وهي أيضاً دعمت وتؤيد الرئيس الحالي دونالد ترامب. فإذا كان لهذا الاستنتاج نصيب من صحة فإن تساؤل كاتب السطور عن مدى تأثير هذه التيارات بمفاهيمها الدينية على التعامل الاقتصادي بين الدول. فهل سنرى إقحاماً للدين في الاقتصاد على نحو ما يحدث بالانتخابات والسياسة الغربية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store