Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

رحلة إلى هارفارد

إن مشهد الاحتفال ببساطته وكثافة الحضور والتنظيم المحكم وغياب أي مظاهر للأمن والتفتيش والبذخ كما نشاهده في بعض مناسباتنا يجعل الإنسان يتساءل: لماذا لا نكون؟.. ومتى تصبح مؤسساتنا التعليمية التي تصرف عليها الدولة البلايين بسخاء في مصاف ما نراه في الخارج؟

A A
قبل أسبوع كتبت نصاً بعنوان «الى هارفارد» وكان عليه طابع المقال الاستباقي لأنني كنت أعدُّ للسفر وخشيت ألا أستطيع الوفاء بموعد النشر، ولكنني عدلت عن ذلك الى أن أرى هارفارد وأتجول بين مرافقها بصحبة ابني احمد لحضور حفل تخرجه من كلية إدارة الأعمال للدراسات العليا.

والكتابة عن أي صرح أكاديمي يتربع على عرش التفوق الأكاديمي في العالم شأن ذو شجون ناهيك عن أن تكون المناسبة عن هارفارد أشهر جامعات العالم، وتكون بمناسبة تخرج ابن وصل الى ذلك المكان بجهوده بعد أن اجتاز كل مراحل التقييم الأكاديمية. والحديث عن الذي شاهدته خلال فترة قصيرة يطول ولكن ضرورة الاختصار تأخذني للتركيز على انطباعات سريعة عن المناسبة والحفل والتكريم للمستحقين وضخامة الكليات والمكتبات وعدد الحضور حيث تحولت مدينة بوسطن وفنادقها وحدائقها الجميلة إلى مهرجان احتفالي بهذه المناسبة التي تتكرر في كل عام. ومظاهر الاحتفال بارزة على ابتسامات الطلاب الخريجين والخريجات وهم يستعدون بزي التخرج ويأخذون الصور التذكارية مع بعضهم ومع أقاربهم الذين قدموا من 68 دولة ليشاركوهم فرحتهم بالمناسبة. دفعة هذا العام 2018 م بها 945 طالباً وطالبة من 68 دولة، 65%من الخريجين مواطنون أمريكان و35% طلاب من الخارج. اتصف الحفل بالبساطة ورقي التعامل والجدية وكلمات شاملة ومحفزة من رئيس الجامعة وعميد البرنامج وتكريم للمتخرجين القدامى والأستاذة والطلاب وأعضاء الإدارة بالجامعة ولم ينسوا أحداً يستحق التكريم، فلكل مجتهد نصيب. رجل أعمال تخرج من هارفارد في 1980م تبرع للجامعة بثلاثمائة وخمسين مليون دولار تم تكريمه بشكل عادي وكان الحضور بارزاً من المؤسسات الكبرى في مجال الادارة والأعمال يقابلون الطلاب ويقدمون لهم العروض المغرية لأنهم يدركون أن من يجتاز البرنامج صيد ثمين سيكون استقطابه قيمة مضافة لشركاتهم. إن مشهد الاحتفال ببساطته وكثافة الحضور والتنظيم المحكم وغياب أي مظاهر للأمن والتفتيش والبذخ كما نشاهده في بعض مناسباتنا يجعل الانسان يتساءل: لماذا لا نكون؟.. ومتى تصبح مؤسساتنا التعليمية التي تصرف عليها الدولة البلايين بسخاء في مصاف ما نراه في الخارج؟

. ويأتي صدى الرد بأن الجامعات تكتسب سمعتها من خلال مخرجاتها الأكاديمية وليس بحجم ما يصرف عليها أو لَمَعانِ مبانيها وفخامة مكاتب المسؤولين بها.وجامعة هارفارد بها كل التخصصات ولكن أشهرها الماجستير من كلية ادارة الأعمال وكلية كندي للعلوم السياسية التي أتيح لي التجوال بداخلها، والحارس الذي فتح لنا المبنى بعد الساعة الحادية عشرة من الليل يومئ لنا بابتسامة ترحيبية لأن الابن أحمد يحمل بطاقة تمكنه من زيارة مرافق الجامعة ومكتباتها في كل وقت كغيره من الطلاب.

إنهم لا يتحدثون عن الإنجازات لأنها تحصيل حاصل ولكنهم يركزون على ما هو متوقع من الخريجين وطموحاتهم القادمة ويرفعون السقف الى أعلى لأنهم عنوان رافعة التطور في العالم وليسوا في مهمة استجرار إنجازات الماضي، ولكن ما وصلوا إليه محطة في طريق مشوار الى أفق أعلى ورحاب أوسع وإنجازات قيم مضافة في صروح المعرفة، حركاتهم الرئيسية بأن العلم وجودة مخرجاته هي من يعمل الفارق في حياة الإنسانية.

نقطتان مهمتان شدَّتا انتباهي هما: إن جامعة هارفارد أغنى وأشهر جامعة في العلم مؤسسة خاصة لديها أوقاف تمكنها من الصرف على برامجها والحفاظ على التفوق العلمي. والنقطة الثانية أن لديها مطلق الحرية في إدارتها من صياغة المناهج واختيار المقبولين وانتخاب طواقمها الأكاديمية من رئيس الجامعة الى عمداء الكليات الى كل ما له علاقة بالتدقيق والضوابط المالية والأمن والتنظيم داخل مرافق الجامعة.. ولهذا أصبحت على رأس منصات العمل المؤسساتي في أمريكا وهذا ما يميز ذلك الصرح العريق في التميز المعرفي.

وآخر القول إنها رحلة ذات انطباع خاص ومناسبة لا تفوت ولها أثرعميق في نفسي كمواطن يفرح بابنه ويتمنى بصدق أن ترتقى مؤسساتنا التعليمية الى تلك التجارب الناجحة والاستفادة منها خاصة وأننا لا نختلف على أهمية تطوير التعليم ورفع مستوى مخرجاته إلى قمم التفوق والإنجازات العظيمة وما توفيقي إلا بالله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store