Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

قراءة الإمام ورش

A A
نزل القرآن العظيم بلسانٍ عربي مبين، ولسان العرب لهجات كثيرة، ونزل القرآن مستوعباً للهجات العرب كلها، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها. وقراءات القرآن الكريم في الاصطلاح هو مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء يخالف غيره في طريقة الأداء من غير تغيير لحقيقة القرآن العزيز. والأصل في القراءات هو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر، عشر قراءات، نقلها إلينا مجموعة من القراء امتازوا بدقة الرواية وسلامة الضبط وجودة الإتقان، ومن أشهرها قراءة الإمام نافع المدني ومن أشهر من روى عنه الإمام أبوسعيد عثمان بن سعيد بن عبدالله بن عمرو بن سليمان الشهير بورش، ولذلك قصة: يُقال لمَّا رحل الإمام ورش من مصر إلى المدينة المنورة للقراءة على الإمام نافع المدني، وجد زحاماً شديداً وتوسَّل للإمام ببعض الشفعاء ليراعي غربته، فلم يجد الإمام نافع فرصة لإقراء ورش إلا قبيل الفجر. فكان أن تبرَّع أحد الطلاب المدنيين بحصته لورش، وفعل طالب آخر مثله، حتى تبرَّع كل طلاب هذه الفترة بوقتهم لورش، وشاء الله أن يختم ورش على الإمام نافع خمس ختمات ويعود بعدها، وتوفي نافع وورش وتوفي الطلبة المتبرعون بحصتهم، وخلَّد الله رواية ورش ونافع حتى اليوم. وثقلت موازين أولئك الخمسة، وظلت حصصهم التي تبرعوا بها للغريب وقفاً جارياً عليهم إلى اليوم. وما هذه بأوحد بركات الإيثار، وهكذا الطاهر من طلبة العلم، ينافس ويسابق، لكنه يؤثر، ويُحب لغيره ما يُحب لنفسه، ويُوقن أن اشتراك الناس معه في مصادر معرفته، ينفعهم ولا يضره. أما مشوه القصد في طلب العلم، فلا يرضى لأحد مشاركته، ولكن يتفنن في قطع الطريق والتفرد، فيضعه الله من حيث طلب رفعة نفسه. وليس العجب من خلود الرواية فحسب، إنما العجب العجاب توفيق الله لهؤلاء الفتية الذين ألهمهم إيثار هذا الغريب بحصتهم، فيمضي قريب من 1250 عاماً، ورواية هذا الغريب الذي آثروه يتعبد الناس بها لفظاً ورسماً وصلاةً وثواباً، كل ذلك قسمة بينهم مع الإمام ورش والإمام نافع المدني. هذا هو الشرف الحقيقي، أن ترحل عن الدنيا ويبقى أثرك، فيُكتب أجرك وأنت في قبرك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store