Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد الثبيتي

ثقافة الوزارة

لقد عانت الفعاليّات الأمّرين خلال تشتتها في السابق فلا مضلّة تجمعها -قبل إنشاء هيئة الثقافة- وتُخطط لها باستقلاليّة مالية وإدارية، ولا حماية للمشتغلين بها من المُتطفلين عليها سواء أكانوا منتفعين أم ممانعين؛

A A
لعلي بقلب مسمى الوزارة في العنوان ألفت الانتباه إلى ما بعد صدور القرار، بإنشاء وزارة تُعنى بالثقافة بعد عقود من المطالبة بها في بلد تتنوع فيه الثقافات، وتتباين فيه أنماطها وممارساتها وضرورة عدم اختزالها في إطار ضيِّق يُحجِّم من دورها الشمولي؛ فالثقافة أجمع الكثير من علماء الأنثروبولوجيا أنها تتضمن المعرفة، والمعتقدات، والأخلاق، والقانون، والعادات، والإمكانيات الاجتماعية، وأي طبائِع اكتسبها الفرد من المُجتمع، وهذا يؤكد على أنها ذات أبعاد عميقة تتقاطع مع كل مُحددات سلوكيات المُجتمع، ومن أمتع ما قرأته حول إمكانية تحقيق الثقافة وجعلها واقعًا له أثره ما ذكره الشاعر «إليوت»؛ حيث وضع ثلاثة شروطٍ لتحقيقها، يتمثل الأول في البِناء العضوي الذي يُساعد على الانتقال المتوارث للثقافة داخل مجتمع مُحدد، بينما يكمن الثاني في قابليتها للتحليل إلى ثقافات محلية، ويعني ذلك البعد الإقليمي لها، أما الثالث فيتضمن التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين؛ حيث إنّ الكثير من الثقافات لا يمكن أنْ تهمل جانب الدين باعتباره مُحدّدًا مُقدسًا تستقي منه الثقافة تراتيلها.

لقد عانت الفعاليّات الأمّرين خلال تشتتها في السابق فلا مضلّة تجمعها -قبل إنشاء هيئة الثقافة- وتُخطط لها باستقلاليّة مالية وإدارية، ولا حماية للمشتغلين بها من المُتطفلين عليها سواء أكانوا منتفعين أم ممانعين؛

الأمر الذي جعلها تترنح في مهدها، تشكو حظها العاثر، الذي تدفع ثمنه باهظًا، وجُرْمها أنها تنويرية التوجُّه، رافضة الجمود وداعية لبث روح الحياة في الشرايين المُتكلِّسة؛ لذا يجب على الثقافة التي يجب أن تعمل عليها الوزارة هي تغيير المفهوم السائد من الادِّعاء بنخبويتها على حساب جماهيريتها المأمولة، من خلال رسم استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على التنوع ومستوعبة كل الأنماط والأطياف والبعد عن أدلجة نشاطاتها، ومصادرة الحرّيات المُقيَّدة لمُجرّد اختلافها مع الرأي الآخر مع أهمية توظيف الأفكار الإبداعية في عرض فعالياتها؛ بهدف جذب المُتابعين؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود منافسين لها يأتي في مقدمتهم «هيئة الترفية».

وهذا لا يعني إغفال الدور الإقليمي والدولي لثقافة الوزارة الوليدة لما للتأثير والتأثر من دور مفصلي في العالم الافتراضي، الذي كسر كل حواجز التواصل، وَخَلَق أُفُقاً رحبًا للتفاعل بين مكونات العالم الواقعي، بعيدًا عن الإسقاطات التي أصبحت تأريخًا يُذكر ولا يُشكر، وهذا لن يتأتى بمشاركات كلاسيكية، وترزز شخصيّات تجاوزها الزمن بقدر ما سيكون الفعل الثقافي المُؤثِّر في الآخر والمُقنع له هو الفيصل في حضورنا المُشرِّف، أو غيابنا الأشرف.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store