Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

رواندا تحتفل بالقضاء على الفقر.. تصور؟!

A A
ما الذي حدث في رواندا، بحيث تتحوَّل من مركز المجاعة والفقر، والمرض والفساد، إلى أيقونة للسياحة والقوة والثراء؟.. ما الذي حدث في رواندا ولم يحدث حتى الآن في الصومال وإريتريا وجيبوتي على سبيل المثال؟!.

ولماذا نقيس على دول إفريقية، ولا نقيس على دول عربية عدّة باتت أكثر من أن تُعَد؟.. ما الذي حدث في رواندا ولم يحدث في دول عربية تتمتع بثروات طبيعية وبشرية ومناخية؟!.

ستقولون الفساد! وهل كان هناك أكثر توحُّشًا من فساد رواندا؟!.

ستقولون الحروب والفتنة الداخلية والانقسام الشعبي! وهل كان هناك أكثر من بحار الدم بين قبيلتي الهوتو والتوتسي والتي سقط فيها أكثر من مليون إنسان؟!.

إن ما جرى ويجري بين الصوماليين وبعضهم، وبين الليبيين وبعضهم، لا يساوي عُشر ما حدث بين الروانديين!

بل إن ما حدث ويحدث في دولٍ عربية أخرى على فداحته، لا يساوي شيئًا مقارنةً بما حدث بين الهوتو والتوتسي.

هل هى ضغطة زر تلك التي حوَّلت وجعلت أرض الألف تل، التي لا تملك أي سواحل على أي بحر، باستثناء بحار الدم، إلى عاصمة للسياحة والجمال؟!.

لدينا في الصومال وفي موريتانيا ودول عربية وإسلامية سواحل وثروات طبيعية وبشرية، ولدينا مصادر للسياحة ومناخات لا تقل جمالًا عن الدول الأوربية المُطلّة علينا، فلماذا خرجت رواندا من بحار الفساد والدماء والفقر والمجاعة، وبدأت دول عربية عدة في السقوط فيه؟!.

هل تعلم أن لرواندا الآن اقتصادا ناميا، أو نموًا اقتصاديًا هو السابع على العالم؟!.

هل تعلم أنه فيما ينخفض عدد المستثمرين الأجانب في دولنا العربية الإفريقية، أصبحت رواندا منذ عام ٢٠١٦ أولى الدول الإفريقية جذبًا للمستثمرين ورجال الأعمال؟!.


هل تعلم أن رواندا «الفقر والدم والمجاعة» حتى وقت قريب، حقَّقت السياحة فيها ٤٣ في المئة من الدخل الإجمالي للبلاد؟!.

دعك من السياحة، فقد يلمز أحدهم بكلام غير ذي معنى، ولندخل في الزراعة، التي باتت أهم عنصر داعم للاقتصاد الرواندي!

زرتُ الصومال كثيرًا، ورأيتُ في ربوعها أجمل وأجود المحاصيل والورود والفواكه.. فلماذا لم تنهض حتى الآن مثلما نهضت رواندا.. لماذا لم تنهض دول عربية عدة بنفس مُعدَّل النهوض في رواندا؟!.

رواندا الحروب والانقسامات والصراعات الدموية، تُضاعف متوسط دخل الفرد فيها ثلاث مرات بفعل الانتعاش الاقتصادي.

رواندا بحار الدم، تُخصِّص الآن نصف ميزانيتها للتعليم والصحة، ومعظم دولنا العربية تعليمها ينهار وصحة شعوبها في النازل!

رواندا ستحتفل بعد أقل من عامين، بانتشال آخر مليون فرد من الفقر، وإعلان القضاء عليه نهائيًا، ونحن سنحتفل بالتأكيد بأشياء تافهة أخرى.

قد يبدو المقال- ونحن في رحاب عيد الفطر السعيد- مؤلمًا وكاويًا، لكنني قصدتُ العكس تمامًا.. إنها نسمات الأمل في الخروج من دوَّامات الدم والفتن، والقضاء على الجوع والفقر والمرض.

إنها دلائل إمكانية النهوض من جديد، مهما كان حجم المحن والدم الذي سال.. المهم أن يتم إعلاء قيمة الإنسان.. إعلاءً حقيقيًا.. والمهم أن يستشعر هذا الإنسان الإرادة الحقيقية لدى كل مسؤول في موقعه.

المهم أن يبدأ كل مسؤول بنفسه، بدءًا من راتبه، الذي يتنازل منه قبل أن يطلب من الآخرين التنازل.. أن يبدأ بالترشيد في بيته، قبل الآخرين.. وبالتحمُّل من أجل وطنه، قبل الآخرين.

المهم ألا يتم ربط مصير ومستقبل الإنسان بالسيّد الصندوق، وإنما بقدرته على النهوض!

في السابق -وبمناسبة كأس العالم- عندما فازت ملاوي على مصر في كرة القدم.. قال الكاتب الراحل نجيب المستكاوي مستنكرًا: ملاوى؟ أما بلاوي! الآن وبعد أن فازت رواندا اقتصاديًا وسياحيًا وزراعيًا واجتماعيًا على معظم الدول العربية، ماذا نقول؟!.

رواندا..........؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store