Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

كثير من الصخب.. قليل من التأثير

انتصارات التحالف العربي في معركة الحديدة باليمن، يجب أن تكون نقطة انطلاق جديدة في التعامل بندية مع قوى دولية وإقليمية، بعيدًا عن عناوين الهزيمة بشرف أو التمثيل المشرِّف.. لدينا القدرة على الفوز، وينبغي أن نفوز، ولدينا القدرة على الاستشراف، وينبغي أن نستعد للمستقبل، بقراءة في العمق لخطط وأفكار الأصدقاء والأعداء على السواء

A A
كثير جدًا من الصخب، قليل جدًا من التأثير، هكذا أرى عنوان المشهد العربي في مباريات كأس العالم 2018 المقامة حاليًا في روسيا.. حالة احتشاد جماهيري شاملة، ثلاثية الأبعاد، بطول الخارطة العربية، وعرضها، وعمقها، خلف فرق أخفقت جميعها في بلوغ الدور الثاني للبطولة. جلهم جاءوا من أجل (التمثيل المُشرِّف) ومن أجل أن ينالوا (شرف الهزيمة) أو (الهزيمة بشرف)، هكذا تتحدَّث أدبيات الرياضة العربية، عن مباريات تخوضها أربع فرق عربية في كأس العالم، فلا تحصد أي منها نقطة واحدة، ولا يستطيع أي منها نيل (شرف التعادل) مع منافسين ينتمي بعضهم إلى العالم الثالث مثلنا تمامًا، لكن طموحهم يتجاوز فلسفة (الهزيمة بشرف).

وحَّدت هزائم الفرق العربية في كأس العالم بروسيا، وجدان أغلب العرب، استطاعت الهزائم أن تصوغ وحدة وجدانية عربية، أخفقت فيها السياسة، كما أخفق قبلها الاقتصاد، والعلوم والفنون، لكن وجدان الهزيمة، يأبى أن يكون منطلقًا لتحوُّلات تضعنا عند نقطة بداية جديدة لانتصار ولو يتيمًا.

انهزمت أربعة فرق عربية في منافسات الدور الأول لكأس العالم، لأن طموحها قعد عند حد التمثيل المُشرِّف، أو الهزيمة بشرف، لم يصل أي من الفرق الأربعة إلى روسيا مزوّدات بإرادة الصعود لدور الستة عشر، ولا بخطط وسلوكيات تحمل أيًا منها إلى الدور التالي، كلهم كان معنيًا بالاحتفاء بمجرد المشاركة، جاء فاقدًا للإرادة، منزوع الحلم، بلا رؤية، ولا مشروع ولا خطة.

حال العرب في كرة القدم، هو انعكاس لحالهم في كل ما عداها، وهو لن ينصلح بمجرد النوايا الطيبة، وإنما يحتاج إلى رؤية، وإرادة، وخطة، ومراقبة، ومحاسبة. بلوغ محطة الرؤية والإرادة والخطة والمراقبة والمحاسبة، يقتضي بذاته الإقرار أولًا بأن هذا هو السبيل الوحيد للحاق بمسيرة الحضارة فوق هذا الكوكب.. ويقتضي ثانيًا التخلي عن أية خيارات أخرى سوى العلم والعمل من أجل إنجاز تلك الأهداف.

وسط معمعة التمثيل العربي المشرِّف، أو الهزائم بشرف، كان صخب الانشغال بكأس العالم، يسرق منّا لحظة الحقيقة، كان التحالف العربي في اليمن يحرز انتصارات لها ما بعدها في الحديدة، بينما كان الشارع العربي مشغولا بمباريات لا يفوز فيها، وبكأس ليس مؤهلًا لحملها، أو حتى للاقتراب منها.

وسط معمعة الهزائم بشرف في روسيا، كان يجري جس النبض العربي، فيما لو قرر الرئيس الأمريكي ترامب، أن يجرب مع إيران، نموذج الاقتراب من كوريا الشمالية بقمة مماثلة لقمة سنغافورة. وبرغم الفوارق الهائلة بين حالة كل من كوريا الشمالية وإيران، إلا أن ديفيد بولوك وهو زميل قديم بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، كتب في صحيفة وول ستريت جورنال، قبل أيام، ينصح ترامب بتجربة الدعوة إلى قمة مع الرئيس الإيراني، مدعيًا أن أمريكا لن تخسر شيئًا، بهذه الدعوة، لكنها ستحشر إيران في الزاوية.

دعوة بولوك وهو أحد مهندسي الشرق الأوسط الكبير، لا ينبغي أن تمر هكذا، دون وقفة عربية للتأمل، والرصد، والدراسة، وإعداد الخطط، وتجهيز البدائل. فلا يجوز أن نتعامل مع تلك الدعوة بكل تداعياتها المُحتملة على المصالح العربية العليا، بنفس منطق التمثيل المشرِّف، أو الهزيمة بشرف. فالهزيمة، هزيمة، سواء أكانت بشرف أم بخزي، وهي خزي بذاتها في كل الأحوال.

بالون اختبار ديفيد بولوك، لا ينبغي أن يخدعنا، والرد العربي على جس النبض الأمريكي يجب أن يكون مباشرًا، وصريحًا، كما يجب تهيئة المسرح الإقليمي والدولي، لإحباط أية محاولات لتحقيق مكاسب أمريكية- إيرانية، على حساب العرب.

انتصارات التحالف العربي في معركة الحديدة باليمن، يجب أن تكون نقطة انطلاق جديدة في التعامل بندية مع قوى دولية وإقليمية، بعيدًا عن عناوين الهزيمة بشرف أو التمثيل المشرِّف. لدينا القدرة على الفوز، وينبغي أن نفوز، ولدينا القدرة على الاستشراف، وينبغي أن نستعد للمستقبل، بقراءة في العمق لخطط وأفكار الأصدقاء والأعداء على السواء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store