Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

صفقة القرن وغياب الرؤية الاستشرافية العربية

رؤية فكرية

A A
تمر بالفرد العربي مجموعة من الأحداث التي مضت عليها عدة عقود من الزمن، وأولها قيام الكيان الصهيوني الغاصب فوق أرض فلسطين العربية والمسلمة المحتلة عام 1948م، بمؤازرة من المؤسسات السياسية الغربية، ثم كانت حرب حزيران عام 1967م، والتي دخل فيها العرب الحرب برؤية سابقة وهي حرب العدوان الثلاثي، مع أنه كان هناك اختلاف بين الحالتين؛ وهو الأمر الذي لم ينبّه إليه العرب، فالموقف الأمريكي، الذي تبناه الرئيس الأمريكي آيزنهاور كان الهدف الأول منه اشعال العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط، بأن الحقبة البريطانية التي كانت تمثل مرجعًا لشؤون الشرق الأوسط وقضاياه قد ولت، وحلت مكانها الهيمنة الأمريكية. وفي سبيل ذلك قام آيزنهاور بتحذير البريطانيين والإسرائيليين والفرنسيين بأنه سوف يقوم بمقاطعتهم اقتصاديًا إن لم يذعنوا للتوجه الأمريكي القاضي بالانسحاب من الأراضي المصرية، بينما كانت حرب 1967م تمثل نسقًا آخر، فالصراع كان بين القوتين العظميين؛ الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي. وأذعن العرب، وخصوصًا دول الجوار للرأي السوفيتي القاضي بعدم الرد على الضربة الأولى من العدوان الإسرائيلي، وانتظار الضربة الثانية، فكانت النتيجة أن حرب حزيران لم تستمر سوى ست ساعات فقط، وخسر فيها المصريون سلاحهم الجوي بكامله، وأعيد احتلال شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية والقدس الشريف وهضبة الجولان، وقطاع غزة الذي كان تابعًا للإدارة المصرية، وإن ما تعانيه الأمة العربية اليوم هو من نتاج تلك الحرب، وآثارها السلبية؛ بل إن هذه الحرب هي التي قادت إلى مشروعات السلام، التي كان الجانب الإسرائيلي منتصرًا فيها على الجانب العربي. ونفس الأمر يسري على مجرى في محادثات أوسلو، التي مضى عليها أكثر من عقدين من الزمن، دون تحقيق أي نتائج إيجابية ملموسة للعرب. وإذا كان للأمريكيين من دور سيئ في هذا الأمر، فالفلسطينيون أنفسهم يتحملون قسطًا وافرًا مما حاق بهم جراء تلك الاتفاقية، نظرًا لعدم وضوح بنود ومعالم تلك الاتفاقية، التي يمكننا القول: إنها أعطت الإسرائيليين ما يريدون بأقل ثمن ممكن، دون أن تترتب عليهم أي تبعات أو استحقاق، بما يجعل من تلك الاتفاقية وثيقة استسلام أكثر من كونها اتفاقية لتحقيق السلام المنشود.

واليوم يهيمن اليمين الإسرائيلي الصهيوني على اليمين الغربي، وخاصة الأمريكي، وهو ما ظهرت نتائجه وآثاره في الاعتراف بالقدس الشريف عاصمة موحدة لإسرائيل، والاكتفاء -كما تسرب مما عرف بصفقة القرن- بإدارة ذاتية في جزء من الضفة الغربية، ودعم قطاع غزة اقتصاديًا فقط، وهو أمر طرحه من قبل ممثل الرباعية رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وجاء دونالد ترمب ليكمل ما بدأه بلير وبالتالي القضاء على آمال الفلسطينيين في قيام دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف.

إن واقع اليوم يكشف بوضوح غياب الرؤية العربية الاستشرافية للقضية الفلسطينية، بما يجعل كل التحركات موسومة بردة الفعل أكثر من اجتراح الفعل الإيجابي وفرض الرؤية العربية بشكل قوي ومؤثر، والاستفادة من منظمات المجتمع الدولي الصديقة في تشكيل لوبيهات ضغط فاعلة في مواجهة هذا الصلف الصهيوني، وما لم يتحقق ذلك ستظل القضية الفلسطينية جرحًا مفتوحًا على الدوام مهما فرض عليه من حلول هي الضرورة غير مقبولة لدى من له ضمير حي، ومعرفة بالعدوان الذي وقع على هذا الشعب الأعزل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store