Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

نهضتنا بين الغمط والنفخ

الأمر المؤسف أنْ يعمد البعض لغَمْطِ هذه المنجزات، وجَعْلِ الوطن في مؤخرة العالَم تنمويًّا وحضاريًّا وكأنه لم يشهد خلال عقوده التسعة أي ملمح تنموي، أو في المقابل يعمد للنفخ فيما تحقق من منجزات بحيث لا منجزات تؤمل خلافها ولا طموح يرجى بعدها

A A
ثمانية وثمانون عامًا من التنمية والنهضة هي مجمل الأعوام المتقضِّية من عمر المملكة العربية السعودية المديد -بإذن الله- منذ توحيدها عام (١٣٥١هـ) على يد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- المُتمعِّن في هذه المسيرة الممتدة التي تاخمت قرنًا في عمر الزمان؛ لن يعدم الأدلة المتكاثرة والحقائق الماثلة والبراهين الدامغة التي تصطفُّ في طابور الشواهد العديدة، التي تشهد بأن المملكة لم تتوقف عجلة التنمية فيها، ولم تتأخر عن الأخذ بأسباب التقدم والرقي، مع الإيمان بوجود بعض العوائق التي تعوق هذه المسيرة من حينٍ لآخر، ولكنها لا تمنعها أو تحول بينها وبين السعي نحو غاياتها البعيدة. في الوقت نفسه يقف المتمعن في هذه المسيرة موقف الصادق معها حينما يؤمن بأنها وإن كانت بتلك القوة وبتلك التصاعدية وبتلك الإمكانات إلا أنها لم تبلغ الغايات القصوى والأهداف النهائية، وإنما هي في سعي حثيث لنيلها وتحصيلها بصدق النوايا وتضافر الجهود وتوفير الإمكانات والأخذ بالأسباب. برأيي فهذا الموقف هو الذي ينبغي أن يقفه المُقيِّم المُنصِف لمسيرة التنمية والنهضة التي تشهدها بلادنا طوال العقود الماضية، بحيث لا تَصْغُر في عينيه المنجزات بأشكالها كافة، ولا يجعل من هذه المنجزات المتحقَّقة منتهى الغاية ولا شيء بعدها.

الأمر المؤسف أنْ يعمد البعض لغَمْطِ هذه المنجزات، وجَعْلِ الوطن في مؤخرة العالَم تنمويًّا وحضاريًّا وكأنه لم يشهد خلال عقوده التسعة أي ملمح تنموي، أو في المقابل يعمد للنفخ فيما تحقق من منجزات بحيث لا منجزات تؤمل خلافها ولا طموح يرجى بعدها.

المؤسف أيضًا أن من يقوم بحالة الغمط والنفخ فئة من المثقفِين والكُتاب والإعلاميين الذين يجدر بهم أن يكونوا أقرب للموضوعية والإنصاف عند تقييم المرحلة المنصرمة، هذه الفئة تجدها قلقة مضطربة لا تعرف الاستقرار والرسوَّ على برِّ الإنصاف، ولذا تأتي آراؤها متحولة ومتبدلة ومتقلبة من موقف لموقف ومن ظرف لظرف. آراء هذه الفئة تنزل عندما يتطلبه الموقف أو الظرف الآني؛ فحين يكون الظرف مواتيًا للنيل من طرف آخر يمكن أن يُحمَّل وزر تأخر التنمية -مناهج التعليم مثالاً- فهُنا تنسف هذه الفئة كل منجز حضاري أو شاهد تنموي، وتؤكد على أننا لا نزال في مؤخرة دول العالَم، وأن بيننا وبين الدول المتحضرة سنوات ضوئية، وأن ما تحقق لدينا لا يمكن أن يُفاخَر به أو يُرفع به رأس، وكل ذلك -برأيها- بسبب مناهج التعليم، وقسِ الحُكم ذاته على غير المناهج. وحينما تقف هذه الفئة موقفًا مغايرًا ويغيب عن أذهانها (الخصمُ) ويتطلب منها أن تُبين حجم التقدم الحضاري الذي وصل له وطننا، فهُنا لا تعدم استحضار الأدلة والشواهد، والإتيان بالإثباتات، وتغليظ القول بأننا متفرِّدون ومتقدِّمون على غيرنا في كل أمر.

وخلاصة القول: إن نهضتنا تقف اليوم بين قطبين، قطب المنصفِين الذين لا يغمطون ما تحقَّق، ويذكرونه باعتزاز، وفي الوقت نفسه لا يُغفِلون نواحي القصور وسبل المعالجة، وقطب يقف بحسب ما يتطلَّبه الموقف، فإن كان الموقف موقف استقصاد لطرفٍ آخر، تراهم يغمطون المنجزات حتى لا تكاد ترى منجزًا واحدًا، ويُحمِّلون المستقصَد تَبِعاتها، وإن كان الموقف يتطلب النفخ، فتراهم يُضخِّمون المنجزات حتى لا تكاد ترى قصورًا حاصلا، وهذا ليس من العدل والموضوعية في شيء، والقائلون بهذا ليسوا أهل إنصاف وإنما أهل هوىً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store