حساسية كارامازوف!!

بعد مشاهدتي للعديد من المناسبات الكروية التي لعبت فيها المنتخبات السعودية والمصرية ضدّ بعضها البعض، وآخرها بطولة كأس العالم المُقامة حاليًا في روسيا، وبعد متابعتي لردود أفعال الجمهور المصري من شخصياتٍ كروية شهيرة وأخرى شعبية، أستطيع القول إنّ هناك متلازمة من الحساسية الكروية المصرية -الحادّة والمزمنة- من قِبَل العديد من الأخوة المصريين، تجاه أيّ فوز كروي سعودي عليها، ممّا لا يحصل تجاه منتخبات عربية وغير عربية، حتّى لو كانت دون مستوى نظيرتها السعودية!.

ومع أيّ فوز سعودي تخرج لنا بعض الأصوات من بعض الإخوة المصريين الذين يُشبهون إخوة «كارامازوف» في رواية الكاتب الروسي الشهير «فيدور دوستويفسكي»، من ناحية طبيعة العلاقات البشرية بين أعضاء العائلة الواحدة وتعقيداتها وتنافراتها وتجاذباتها، ولا عامل مشترك بينهم سوى التشكيك في جدارة الفوز السعودي، والازدراء غير العادي من شأنه، ونسبته إمّا لعوامل خارجة عن الكرة مثل انحياز التحكيم رغم نزاهته، أو لعوامل كروية مثل سوء التدريب، لكن ليس بينها ما يخصّ تخلف مستوى الكرة المصرية الحالي عن الركب الدولي، الذي لا يسرّ عدوًا ولا صديقًا، ولا تعترف به تلكم الأصوات، ولولا بعض اللاعبين المصريين المحترفين في أوروبّا لما كان للكرة المصرية هذا الشأن في المحافل العالمية!.

أنا أعتقد أنّ سبب الحساسية هو خلفية تاريخية قديمة، إذ يعود الفضل بعد الله لكثيرٍ من الإخوة المصريين علينا في مجالات عديدة، مثل التعليم والصحة والبناء والزراعة والتجارة، فضلًا عن الرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا، وهم يذكرون ذلك كثيرًا ولا ينسونه، ويعتبرون أنفسهم أستاذًا له باع طويل على كافّة العرب، وهذا صحيح، والسعوديون لا يُنكرونه، ومن يتابع المثقفين السعوديين الذين هم المؤشر الحقيقي لتقييم العلاقات بين الدول والشعوب، لا يلمس نُكرانًا لذلك، بل إقرارًا طوعيًا ومُحِبًّا منهم لذاك الفضل، لكن يحصل كثيرًا أن يتفوّق التلميذ على الأستاذ في مجالٍ ما، فلا يعيب الأستاذ أن يُشيد به، ولا يعيب التلميذ أن يسعى له، وهناك أمثلة كثيرة لذلك لا تتّسع الكُتب لسردها، ولو أدرك هؤلاء الإخوة هذه الحقيقة لقرّوا عينًا، ولتجنّبوا هذه الحساسية التي تُصيب الفرد كما المجتمع، وعلاجها هو التركيز على الذات ومعالجته، واليقين أنّ ما بين الشعبين السعودي والمصري هو أكبر من كرة قدم تُركل وتُداس بالأحذية والأقدام!.