Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

العالم يتجه نحو اليمين

ومن المتوقع أن تتجه السياسة الأمريكية الخارجية في ظل التحوُّل بمواقع القوى بأمريكا إلى السعي للتعاون مع دول العالم بتحقيق الاستقرار والتخلي عن السياسة الليبرالية التي انتهجها عهد أوباما بدعم عناصر التخريب والتغيير خاصة في الشرق الأوسط. وليس من المتوقع تكرار (المأساة) الليبية و(الربيع العربي) في ظل السياسات الجديدة.

A A
يبدو أن أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية منذ عام 2005، في طريقها لفقدان موقعها بسبب اللاجئين. كانت أول المرحبين باللاجئين في أوروبا خاصة من سوريا، وفتحت أبواب بلادها لاستيعاب ما يزيد عن مليون لاجئ، تمرّد وزير داخليتها عليها بسببهم، ورفضت إيطاليا خلال لقاء أوروبي الأسبوع الماضي اعتماد سياسة موحَّدة بشأن اللاجئين، رغمًا عن أن وزير خارجية ألمانيا قال: إن أعدادهم تقلَّصت إلى حوالى عشرة في المئة منذ أن قادت ألمانيا سياسة أوروبية شرق أوسطية تضمَّنت منح تركيا عدة بلايين من الدولارات مقابل إقامتها معسكرات على الحدود مع سوريا تمنع اللاجئين من التدفق إلى أوروبا.

ليست ألمانيا الوحيدة في أوروبا التي تعاني من الانقسام فيها حول أسلوب معالجة مشكلة اللاجئين من إفريقيا والشرق الأوسط. بل إن الأحزاب المعارضة لسياسة الانفتاح تجاه اللاجئين فازت بالحكم في عدة بلدان أوروبية ومنها النمسا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي الآن، وإيطاليا، التي تسعى حكومتها جاهدة لإيجاد حلول للهجرة، خاصة من إفريقيا عبر ليبيا، باقتراحات غير عملية وترفض استقبال السفن التي تنقذ اللاجئين الفارين في قوارب تُهدِّد حياتهم بالغرق، وتسعى لنقلهم إلى موانئ في أوروبا. وليست قضية اللاجئين، أو المهاجرين فقط التي أدت إلى انقسامات حادة في أوروبا، وصعود تيار سياسي يميني متطرف، بل هناك قضايا اقتصادية واجتماعية متعددة دفعت بالناخب الأوروبي في عدد من الدول لاختيار المتشددين لقيادة بلدانهم. وهي ظاهرة سلَّطت الأضواء عليها بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، وانطلاق صوته العالي مهددًا كل ما هو قائم ومسلم به في أمريكا وأوروبا مندفعًا نحو تغييره، ومن ضمنه سياسة الهجرة إلى أمريكا أكان بصورةٍ شرعية أو غير شرعية. ويُرجِّح المراقبون السياسيون أن يكون الاتجاه، الأوروبي والأمريكي، نحو اليمين ليس ظاهرة طارئة، بل المتوقع أن تتواصل وتستمر وتنمو، ففي كل البلدان تقريبًا التي فاز فيها اليمين يتم تغيير أنظمة وقوانين كان معمولًا بها لسنينٍ طويلة، لتتماشى الآن مع السياسات اليمينية التي صعدت للحكم، وإن كانت وتيرة سرعة التغيير تختلف من بلدٍ لآخر. ويبدو أن أمريكا هي أسرعها بفضل ديناميكية الرئيس دونالد ترامب التي تسعى لتخريب كل القائم، وإحلال جديد محله، وإقدامه على ذلك، مهاجمًا كل المؤسسات القائمة من أجهزة استخبارات وبنتاجون وسياسات خارجية وداخلية والكونجرس وأجهزة الإعلام، في مسار أثار قلق الكثيرين، إلا أنه يبدو أنه أخذ ينجح في تغيير قواعد اللعبة السياسية داخل أمريكا وخارجها. وبينما كان الحزب الجمهوري الذي صعد ترامب إلى الرئاسة باسمه، يسعى للتبرؤ من هذا الرجل وأعماله في بداية رئاسته، نشاهد اليوم الحزب الجمهوري يسعى جاهدًا للسير في ركاب الرئيس وتبني سياساته التي أدت إلى انقسام حاد في البلد، ولكنها حققت لدونالد ترامب قاعدة شعبية موالية له وبحماس. في مقابل هذا الحماس في الحزب الجمهوري لرئيسه، فإن الحزب الديمقراطي يواصل انقسامه الداخلي فيما بين معتدلين ومتطرفين يساريين، حيث ترى بعض القيادات الديمقراطية أن مواجهة تطرف دونالد ترامب وجمهوره باتجاه اليمين، يجب أن يُقابله تطرُّف يساريً في الحزب الديمقراطي. وهناك معركة انتخابية في شهر نوفمبر من هذا العام لانتخاب حوالى نصف أعضاء الكونجرس، وفي مناصب سياسية أخرى في مختلف أنحاء أمريكا، وستُؤثِّر نتائجها على مستقبل السياسات الحالية لترامب، والتي أصبح بإمكانه ضمان توجهها اليميني لقيادة المحكمة العليا في البلاد التي تبتّ في القضايا الخلافية حول أمور كثيرة تتعلق بالحياة الأمريكية، وما تعنيه القوانين والدستور بشأنها.

ومن المتوقع أن تتجه السياسة الأمريكية الخارجية في ظل التحوُّل بمواقع القوى بأمريكا إلى السعي للتعاون مع دول العالم بتحقيق الاستقرار والتخلي عن السياسة الليبرالية التي انتهجها عهد أوباما بدعم عناصر التخريب والتغيير خاصة في الشرق الأوسط. وليس من المتوقع تكرار (المأساة) الليبية و(الربيع العربي) في ظل السياسات الجديدة،

الأمر الذي يجعل العناصر، ومنها حركة الإخوان المسلمين، التي كانت تسعى للاستفادة من التوجهات السياسية والاستخبارية الأمريكية في عهد أوباما، إلى البحث عن مخرج لمأزقها الحالي. ومن الملاحظ أن السياسة الأمريكية الجديدة انعكست إلى تعاون فيما بين روسيا وأمريكا في سوريا قد تتضح معالمه بعد اللقاء المرتقب هذا الشهر فيما بين الرئيسين الأمريكي والروسي في هلسنكي.

وباختصار، فإن المتوقع أن نشاهد عالمًا أكثر استقرارًا في ظل المتغيرات الحالية بأوروبا وأمريكا. ودول كبرى تسعى للتعاون مع الأنظمة القائمة في الدول الأجنبية لا تغييرها. وربما تكون هناك حالات استثنائية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store