Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

هل تصوّب وزارة الثقافة مسار الكوميديا؟!

A A
* لا أحد يكره الكوميديا.. ذلك الفن الإنساني الجميل والمحبب للنفوس والعقول، والأكثر تأثيرًا في المجتمعات، كونه الأقرب دومًا إلى وجدان الناس، خصوصًا مجتمعاتنا العربية المحبة للفكاهة والظرف، فالكوميديا ترفع الكثير من همومهم ومعاناتهم، وتعالج بعض مشكلاتهم بأسلوب لطيف ومحبب.. المؤسف هنا أن قطار هذا الفن الراقي قد انحرف للأسف عن مساره السليم، وانحدر في وديان السلبية في معظم البلاد العربية ليصل في كثير من الأحيان إلى درجة الإسفاف التي تهدم ولا تبني!.

* عندما ظهرت مسرحية مدرسة المشاغبين في سبعينيات القرن الماضي؛ أحدثت انقلابًا اجتماعيًا وتربويًا غير مسبوق في معظم المجتمعات العربية، والسبب انها قدمت في ذلك الوقت نمطًا غير معهود من العلاقة بين المدرسة والطالب وبين المدرس وتلميذه!.. وبرغم النجاح الجماهيري والفني الساحق لهذه المسرحية التي مازالت تلقى قبولا جماهيريًا حتى اليوم إلا أن هناك شبه إجماع بين التربويين على أنها تعتبر نقطة سوداء في تاريخ التربية العربي، حيث حطمت الكثير من القيم التربوية والتعليمية المتعارف عليها، وسجلت تجاوزات سلبية كبيرة من خلال كم التهكم الكبير الذي طال شخصية المعلم والناظر، بل وحتى الشخصية الاعتبارية للمدرسة ككيان تربوي، وهذا انتقل بدوره إلى كل المدارس العربية فيما يشبه العدوى، وكانت تلك مقدمة لأعمال أخرى طالت شخصية المعلم والتعليم عمومًا، حتى بات الوضع التعليمي في مجتمعاتنا العربية على ما هو عليه الآن!.

* وعلى عكس النموذج الأمريكي الذي رفع كثيرًا من القيم الأمريكية من خلال شخصية (رامبو) المواطن السوبر الذي ينشر قيم الحق والعدل والقوة ويرسخ صورة ايجابية في كل أصقاع الأرض، فان الكوميديا العربية أساءت- في معظمها- إلى مجتمعاتها من خلال عملية السخرية من بعض القيم وتسفيهها والنيل من رموز المجتمع وقدواته العلمية والأخلاقية والوطنية أو حتى الدينية.. فالعاقل في أعرافنا اليوم يقال عنه (ثقيل طينة) والطالب المجتهد (دافور) والموظف المنضبط (سبيكة) إلى آخر تلك المسميات السلبية التي ملأت العقول، مما أفقد المجتمع الكثير من قيمه العليا وإيجابيته وهيبة بعض شخصياته وتأثيرها الوجداني في نفوس الشباب، بينما أصبح نجوم الكوميديا السلبية هم القدوة!

* بالعودة إلى بداية المقال نكرر القول إن الكوميديا فن له أثره في وجدان الشعوب وثقافتها وعقلها الجمعي.. وكما تم استخدامه بهذه الطريقة البشعة والسلبية، فإنه يمكن أيضًا أن يكون وسيلة للإصلاح.. وهي دعوة نوجهها لوزارة الثقافة بتبني مشروع تصويب المسار لهذه الأداة التنويرية المهمة، واعادتها إلى رقيها ومهامها الجميلة والجليلة ولو محليًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store