Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

البيان في امتهان النشيد الوطني!

إضاءة

A A
تمنيتُ ألا أشترك أو أشارك من قريب أو بعيد في الضجة أو الهوجة المفتعلة أو غير المفتعلة المثارة الآن في مصر حول قرار وزيرة الصحة بترديد النشيد الوطني في المستشفيات!

وزاد من تخوّفي في التورط بالإساءة لأجمل وطن، دخول الفنان عادل إمام على الخط، وما أدراك من هو عادل إمام، حيث الأسئلة اللاذعة عن مواعيد تناول النشيد، وعن ذنب المريض «العيان».

شيئاً فشيئاً، وصلنا أو وصل حال الامتهان إلى حد توزيع المشاركين في الهوجة، بدائل النشيد الوطني على الأقسام، بدءاً بالقلب، وصولاً إلى البطن، مروراً بالأطفال والعظام والأعصاب والأسنان !

كنتُ في مصر قبل نحو شهر، وحين كنتُ أُغادر صالة السفر، كانت دموعي تنهمر على وقع أنشودة أم كلثوم: (نحبها من روحنا.. ونفتديها بالعزيز الأكرم).

ولأنها عادة قديمة، فقد أدركتُ على الفور أنه البكاء على خَد الفراق.. فراق الوطن.

دخلتُ جوف طائرة مصر للطيران، فوجدتُ السيدة العظيمة تنشد ناصحة: (عيشوا كراما تحت ظل العلم.. تحيا لنا عزيزة في الأمم).. والحق أن ما شاهدته وسمعته طوال الأيام القليلة الماضية، ومنذ صدور القرار ونصب السيرك والليالي الطوال، لا يشي بشيءٍ أبداً باحترامها ولا أقول حبها.. حب مصر، كنانة الله، وأيقونة الشرق مهما كانت ظروف العصر.

أريد أن أقول: إن ترسيخ الانتماء، أو إحياء قيمة الوطن، لا تكون أبداً بهذه الطريقة التي باتت مثار تسلية وسخرية انتقلت من قرار الوزيرة إلى النشيد نفسه، وهذه قمة المأساة، أو الملهاة، أو المأساة الملهاة.

فإذا كان لابد من الملهاة هذه الأيام، فجرَّبوا أو استخدموا شيئاً آخر غير النشيد الوطني.. استخدموا لاعب كرة مشهورا أو ممثلة مغمورة.. استخدموا مدير جمارك مظلوما أو سارقا أو متهما.. استخدموا جثث أطفال المريوطية، أو فضيحة مستشفى السرطان، وتوقَّفوا عن هذا الهذيان.

ابتعدوا بقراراتكم وتجاربكم وتشنجاتكم وتهكماتكم وتمثيلياتكم وتسليتكم ونكاتكم عن نشيد الوطن، هناك أجيال وأجيال ستأتي بعدكم.

أفهم أن يُردِّد الأطباء الصوماليون بالأمس نشيدهم الوطني؛ بمناسبة تدشين مستشفاهم الجديد الذي أطلقوا عليه اسم «عرفات» في إحدى مدن بونت لاند، لكني لا أفهم أن يُردِّد الأطباء المصريون النشيد الوطني كل يوم بلا مناسبة!

وفي المقابل، أفهم أن ينتقد محترفو القنوات أو هواتهم أو حواتهم قرار الوزيرة، لكن أن يصل الأمر لتعميق امتهان النشيد في وجدان الصغار، فهذا هو الدمار.

أخشى أن ينشغل الكرواتيون الليلة بترديد نشيدهم مغنين لأرض وطنهم الجميلة الشجاعة جداً والكريمة.. وأن ينهمك الفرنسيون في الهتاف بنشيدهم الذي يقول: انهضوا أبناء الوطن، فقد دقَّت ساعة المجد، شكلوا صفوفكم، فلنزحف فلنزحف.. فيما يواصل بعض المصريين مهمّتهم في بث العفن، مُردِّدين: جاءت الفرصة.. فلنعبث فلنعبث!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store