Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

مدينة الأنوار وليس سواها

فهي بهذا تتفوق على ما سواها؛ لاجتماع الأنوار (الربانية والنبوية والبشرية) فيها، فهي بهذا تستحق -وليس سواها- لقب (مدينة الأنوار) وهذا ما يغفل عنه محبوها وربما يتهامس به العارفون منهم -خجَلاً- وهُم يطلقونه عليها، في حين لا يجد المفتونون بالآخر حرجًا في إطلاقه على ما دونها من مدن النور الواحد

A A
القارئ للعنوان أعلاه ربما يذهب به الخيال بعيدًا ويطوِّف على أماكن متفرقة مترسخة في الذاكرة الجمعية، لكنني أستميحه في تغيير بوصلة اتجاهاته وزعزعة ثوابت مسلماته لنذهب إلى مدينة غير التي أَلِفَها، ونتعرف على ماهية الأنوار المنبعثة منها. بعيدًا عن تفسيرات علماء الطبيعة وآراء الفلاسفة حول مفهومَي النور والضياء فالنور بحسب ويكيبيديا «طاقة مضيئة.. يتصف بأنه شعاع كهرومغناطيسى تستطيع العين البشرية تلقيه والإحساس به»، وهو يأتي على ضربَين: طبيعي وصناعي، يشكلان بدورهما النور الحسي، وبالمقابل هناك النور المعنوي الذي عليه مدار الحديث. مدينة الأنوار التي عناها المقال حازت على الشرف الأسمى والمنزلة الأعلى بين مثيلاتها، هي مدينة خاتم النبيين وسيد الأولِين والآخِرِين، هي المنورة بنور الإسلام، الطيبة بجسد النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. ما من متيم نزل (المدينة المنورة) إلا وتحدَّث عن مشاعر الشوق والحنين، وكيف تُسابق روحُه خطاه للوصول إلى مبتغاه، وعن المشاعر الجياشة التي تتلبسه حينما يقف على الأماكن التي وقف عليها رسول البشرية، وعن الروحانية التي تتغشاه وهو يدلف إلى مسجد رسول الله، ويقف في الروضة الشريفة وأمام منبره، ويتشرف بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ثم على صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعن انثيال الذكريات وهو يرى جبلَي أحد والرماة ومقبرة الشهداء، ويدلف لمسجد قباء، ويقف على مقبرة البقيع التي ضمت أنقى الأرواح وأطهر الأجساد من الآل والأصحاب والتابعين، ويرى آثار الخندق، ويقف على ساحة بدر ويتهجَّى قائمة شهدائها، ويلمح العُدوة الدنيا والعُدوة القصوى، وعن إنسان المدينة المنورة وكريم سجاياه، وعن التحول في مجرى التاريخ الذي تخلَّق بين حراتها، وعن حالة التحول في العبادات والمعاملات والسلوك والأخلاق والفكر التي تشكلت فيها وانتشرت في أرجاء المعمورة. المدينة المنورة مكانُ تَنَزُّلِ النورِ الربانيِّ، نورِ القرآنِ، نورِ الإيمانِ والهدايةِ الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومنطلقُ النورِ النبويِّ، نورِ الرحمةِ والعدل، ومبعثُ القيمِ التنويرية التي خالفت السائد وغيرت وجه الحياة. وعلى هذا فالمدينة المنورة تاريخ حافل بالأنوار لا النور الواحد، وإن كان هناك من مدينة أخرى تعد (مدينة النور) لانبعاث فكر بشري عظيم منها، أو لولادة علماء وفلاسفة على ترابها، أو لضم ثراها أجداثهم، فالمدينة المنورة تنزلت فيها وانبعثت منها الأنوار الربانية ممثلة في نور القرآن، ودرج فيها خير البشرية، وشع منها نور رسالته النبوية، وضم ثراها جسدَه الطاهر وأجسادَ آله وصحابته، وانطلقت منها الأفكار التنويرية البشرية في العبادات والأخلاق والمعاملات والفكر والسلوك التي غيرت مسار التاريخ، فهي بهذا تتفوق على ما سواها؛ لاجتماع الأنوار (الربانية والنبوية والبشرية) فيها، فهي بهذا تستحق -وليس سواها- لقب (مدينة الأنوار) وهذا ما يغفل عنه محبوها وربما يتهامس به العارفون منهم -خجَلاً- وهُم يطلقونه عليها، في حين لا يجد المفتونون بالآخر حرجًا في إطلاقه على ما دونها من مدن النور الواحد . وقد أجاد ابنها (محمد هاشم رشيد) في وصفها فقال:

مازلتِ في جبهةِ الدنيا منورةً

والمكرماتُ يدٌ موصولةٌ بيدِ

حملتِ للكونِ راياتِ الهُدى فغدتْ

كالغيثِ من بلدٍ يُفضي إلى بلدِ

حتى استنارتْ بكِ الظلماءُ وائتلقتْ

مناهجُ الحقِّ في قولٍ ومعتقَدِ

فسلام على مدينة الأنوار وموطن الأخيار وقبلة الأبرار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store