Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

حنيني لجدة.. روفان العرب

A A
* (وكل ما جا الطاري في عرس وخطوبة، قلنا مين هي العروس؟ قالوا جدة!) هكذا يعيد أبو نورة حنين جدة في غربتي بشدة. والحقيقة -عزيزي القارئ- لا يوجد في هذا المقال سوى بوح بهذا الحب والحنين.

* جدة، بالطبع، مؤنثة، وتليق عليها الألقاب الوردية الأنثوية. فهي في البحر الأحمر «عروس»، وهي للحرمين «بوابة»، وهي «وهج الشموس» كما تعبر أغنية فنان العرب التي تفنّن في صياغة أبياتها سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن. وهكذا تفننت الأقلام في أوصاف وألقاب جدة، وإن كان لي نصيب من ذلك فسأطلق عليها روفان العرب. والروف هو من الرحمة واللطف والاستيعاب، كما أن الروفان يأتي بمعنى الوردة الجميلة أحياناً.

* جدة هي مدينة التنوع والثقافات الخالية من العنصريات، محضن الحاضرة والبادية، ورمز التسامح والانفتاح. يقول عنها طلال حمزة (بتصرف): في جدة، يتحلل (بعض) الموصوفين بالعقد والحواجز واللاءات، من عقدهم وحواجزهم ولاءاتهم، ولا يجدون ضيراً في أن «يتأنسنوا»، و»يتعايشوا»، ويتسامحوا.

جدة، يأتونها من كل حدب وصوب، فيمتزجون بها حد الغرق وينعتقون من أقنعتهم بمتعة، وتطرف أحياناً.

عندما يغادرون جدة ويعودون إلى أقنعتهم.. يشتمونها في العلن، وفي قرارة أنفسهم يتمنون لو كانوا ولدوا فيها، أو بقوا فيها إلى الأبد.

* وحدثني عن أهل جدة أحدثك عن الجود والكرم، ولعل أمثلتنا الشعبية في جدة أبرز مؤشر على ذلك. فنقول مثلاً (كنس بيتك ورشّو ما تدري مين يخشّو) أي نظف بيتك فلا تدري من الضيف الذي يزورك في أي لحظة ويراه. فقد كانت جدة تؤوي كل ضيوف الحرمين في بيوت سكانها. ومن أشهر واجهات الكرم في جدة -قديماً وما زالت- هو بيت نصيف، الذي نزل فيه الملك عبدالعزيز عام 1925م. وقد تشرفت بالإفطار فيه مع الوالد عدة مرات، بدعوة واستضافة من معالي الأستاذ الدكتور عبدالله النصيف، أطال الله في عمره.

* وجدة الجميلة، عريقة، ومهمة، وبعض المصادر التاريخية تنسبها إلى أم البشر حواء وتنسب السيدة حواء لها، وهو أمر يصعب إثباته أو نفيه. ولكن من الجدير بالمعرفة أن الاهتمام بها وصل حتى للأدب الفرنسي، ففي كتاب للمستشرق الفرنسي «فولجونس فرينيل» أثنى على تنوع جدة السكاني ووجد فيها: «أجمل معرض بشري يمكن أن تقع عليه العين للأشكال والألوان والأعراق البشرية كالسامية والقوقازية البيضاء والهنود السيكوالأفارقة» بحسب وصفه، فضلاً على أن «فيكتور هوجو» أشهر شعراء فرنسا، اتخذ مدينة جدة مسرحاً لواحدة من أشهر قصائد ديوانه «أسطورة القرون».

* وختاماً؛ فإنني ورغم كرهي للغربة والكربة، سنحت لي الفرصة وأحياناً -ألزمتني الدراسة- أن أكون في جنات الدنيا المختلفة حول العالم. فزرت جنيف وباريس ولندن وتكساس وتورونتو، ولَم أجد أجمل من روفان العرب؛ جدة.. فإذا كانت للدنيا سبع عجائب، فلجدة، ما هو أعجب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store