بعد مراجعة مُرْهِقة لإدارة الجوازات الواقعة في حيّ الرحاب بجدّة، صلّيْتُ الظهر في أحد مساجد الحيّ، وأعتقد، وبإمكانكم اعتبار المقال دعاية لهذا المسجد، أنّه أفضل مسجد في جدّة، وربّما في المملكة!.
ولا ترجع أفضليته لفخامة مُصلّاه، أو جمال أثاثه، أو برودة تكييفه، أو تقيّد مؤذّنه وإمامه بالسُنّة، أو ضبط توقيت الأذان والإقامة، أو مُدّة الصلاة، أو توفّر المصاحف وترتيب وضعها، أو توازن صوت ميكروفاناته، أو أيّ شيء آخر من عناصر تقييم المساجد، ممّا تُوجد في كلّ مسجد لكن بدرجات متفاوتة، بل هو نظافة دورات المياه التي لم أر لها مثيلاً في طول وعرض البلاد!.
والقائم على المسجد، الذي لا أعرفه، جزاه الله كلّ خير، نصَّبَ عاملاً قويّ البدن والشخصية والتأثير على عتبة الباب الخارجي لدورات مياهه، حتماً براتب شهري سخيّ، بدليل إخلاص العامل وحماسه وانضباطه، وكأنّه حارس أمن لمكتب وزير أو لبنك ثريّ لا لدورات مياه مسجد، ويأمر الناس الداخلين للدورات أن يخلعوا أحذيتهم خارجها، ثمّ يمشون حُفاة الأقدام على بلاطات بلاستيكية مرصوصة فوق رخام الممشى للحمّامات، وهي طاهرة تماماً من القاذورات، وعند دلوفهم للحمّامات يجدون أحذية تنتظر أقدامهم ليلبسونها، ويستخدمون أطقم حمّامات أصلية وذات جودة تشغيلية عالية، ولا أثر لروائح كريهة بفضل مراوح التهوية الفعّالة، فإذا ما خرجوا خلعوا الأحذية وتوجّهوا للمغاسل والميضات المُجهّزة بصوابين ومُعقِّمات، ومُرشِّدات مائية حديثة تتدفّق منها المياه باعتدال، لا بإسراف ولا تقتير، ثمّ يخرجون من الدورات ليلبسوا أحذيتهم الخاصّة ويتوجّهوا إلى المُصلّى بشعور نفسي طيب لا يشوبه القرف كما يحصل في دورات مياه المساجد الأخرى!.
أرأيتم؟.. «شُويّة» إدارة لا تُكلِّف قنطاراً من مال جعلت هذا المسجد من وجهة نظري الصائبة بلا فخر ولا غرور، أفضل مسجد صلّيْتُ فيه، فما بالكم إن جعلنا هذه «الشُويّة» من الإدارة «شُويّات» بأيدي الجهات الحكومية والأفراد المُشرفين على المساجد؟ فوق ثرى مدننا وفي استراحات الطرق بينها، أكيد سوف نجعل لمساجدنا قدراً رفيعاً نُؤجر عليه، ويرفع شأننا بين الأمم، فكما نحن بلاد الحرمين الشريفين التي تلقى الاهتمام الأكبر، نحن كذلك بلاد المساجد التي ربّما تجاوزت المليون في عددها، وكثيرٌ منها يحتاج للكثير من تلك «الشُويّة» وهذه «الشُويّات»!.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
