Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

حكايتي مع الصومال

إضاءة

A A
سألني مندهشًا عن سر اهتمامي بالقرن الإفريقي وبالصومال، وكأنني أهتم بكوكب بعيد وليس عن جار عربي على الحدود.. والحق أن لي مع الصومال وعنه حكاية، بدأت فصولها في المرحلة الابتدائية حين سافر معلمي الأنيق أستاذ التاريخ والجغرافيا، محمد سيف، من مصر للتدريس في الصومال، قبل أن ينهي بعثته ويعود وأنا في المرحلة الإعدادية بصحبة زوجة صومالية!

لقد حفزني زواج معلمي بصومالية للقراءة مبكرًا في تاريخ وجغرافيا الصومال، لأكتشف أنه بلد شقيق، وشعب شقيق، يشاطرنا أفراحنا وأحزاننا في كل مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة..

فلما كنت مشجعًا لفريق الزمالك المصري احتفيت مع المحتفين بانضمام مهاجم صومالي من فريق هورسيد اسمه سعيد دعالة.

ظللت أحتفظ بصور دعالة حتى ترك الزمالك ومصر كلها إلى اليمن، قبل أن يعود مرة أخرى ليكون حديث الصحافة المصرية في ذلك الوقت.

هكذا تعرفت على الصومال هذه المرة من بوابة الرياضة، التي اتسعت أمامي عندما علمت أن لاعب الزمالك الفذ علي محسن المريسي اليمني الجنسية ذهب لتدريب هورسيد ثم المنتخب الصومالي.

في تلك الأيام كان الرئيس السادات يلتقي الرئيس الصومالي محمد سياد بري معلنًا دعم مصر للصومال، وكانت الرياض تدعم توجه السادات في أهمية المحافظة على أمن وهوية الصومال ضد المد الماركسي!

انهمكت في دراسة الفلسفة ثم الإعلام، وفور أن تسلمت عملي كمحرر صغير بجريدة الجمهورية طلبت أن أسافر للصومال، فنصحني رئيس التحرير بالتجول في محافظات مصر أولا وقد كان!

غادرت القاهرة إلى لندن والتحقت بكتائب «الشرق الأوسط» بفعل تحقيقاتي التي أجريتها في محافظات مصر، وفي أول فرصة للعمل الميداني الخارجي غادرت إلى الصومال.

كنت أمضي في شوارع مقديشيو في المساء أسأل الأهل المرحبين بي عن «زهرة» زوجة معلمي التي باتت حديث القرية بفعل شهامتها وانصهارها مع الفلاحات المصريات، وعن دعالة لاعب كرة القدم الذي فرض نفسه واسمه بين لاعبي الفرق المصرية.

في تلك الأثناء وأنا أتنقل بين الدروب.. دروب مقديشيو الجميلة، كان صدى استغاثات المظالم يأتي من كل مكان.. من الشمال ومن الجنوب.

كان فرد أو قل فصيل واحد يتحدث عن دولة المؤسسات والاستقرار والأمان.. ويردد صباح مساء أحاديث النضال والبطولة، وكنت أرصد آثار الجريمة!

الآن ومع النهم أو الهوس الأجنبي المثير بالقرن الإفريقي أجدني بحاجة صحفية وإنسانية للتوجه من جديد إلى القرن الإفريقي كله للشد على يد الجيل الجديد.. تتملكني الرغبة الشديدة والشوق الأشد إلى مقديشيو وجيبوتي.. إلى أديس أبابا وأسمرا.. إلى رفقاء البحث والركض من أجل إرساء قيم الحق والعدل والتسامح والحرية.

لقد بات لي في كل هذه الدول أصدقاء يتقلدون الآن مناصب قيادية كبرى في كل المجالات، فإن سألتني عن الرسالة التي أزجيها لهم، لقلت لهم: تذكروا كلماتكم وشعاراتكم أيام نضالكم من أجل الحق والحرية.. تذكروا تحذيراتكم من أوسمة ونياشين المعارك الوهمية.. تذكروا مخاوفكم من أن يصبح الإخوة أعداء.. ومن التفريط في أحلام الشهداء.. ومن أن تصبح الأوطان شظايا ودماء.. تذكروا مطر الأسئلة والإجابات التي كنتم ترونها مخجلة.

في هذه الساعة أقول لزعماء القرن الإفريقي الجدد: لا تجعلوا مبادئكم التي كانت تتردد في كل محفل وقاعة.. محض فقاعة.. تذكروا كل كلمة وكل حرف يقاوم الظلم ويبتر الحقد كالسيف.

أقول لكم في نهاية الكلام.. وتذكروها جيدًا: سبحان من له الدوام.. سبحان من له الدوام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store