Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

أعيدوا «الثقافية» لنرى صورتنا

القناة البديلة بهذا الاختزال تمارس -بدون قصد- تغييبًا لتراث الوطن التراثي والثقافي، وتذويبًا لهويته الثقافية، وتسطيحًا لوعي المشاهد، وتُبرز ما لا يمثل -لوحدِهِ- تراثَ الوطنِ وثقافتَه ومنجزَه الإبداعي.

A A
يظل مفهوم (الثقافة) من المفاهيم الأكثر ضبابيةً وإشكاليةً وتجاذبًا بين المثقفِين، ومع هذا فيمكننا الانطلاق من تعريفها الأَشهر بأنها (الأخذ من كل فنٍ بطرف) وذلك للحديث عن عملية التحول التي طالت ما كان يُعرف ضمن حزمة قنواتنا التلفزيونية بـ(القناة الثقافية) التي استمرت قرابة تسع سنوات، قامت خلالها بأدوار تُعد جيدة جدًّا في ظل إمكاناتها (المالية والفنية) المحدودة. القناة الثقافية قامت لتعكس لنا صورة صادقة عن تراثنا التاريخي والثقافي، ولتواكب حراكنا الثقافي المتنامي، ولتُشبع نهم الأطياف الثقافية، ولتكون منبرًا يسع الأصوات الإبداعية بمختلف توجهاتها، ونافذةً يطل منها المثقفون على منجزهم الإبداعي، وميدانًا لتقديم المواهب الإعلامية الوطنية وصقلها. خلال عمر القناة الثقافية القصير استطاعت أن تُحصِّل (درجةً مقبولةً) في سُلم الرضا لدى متابعيها حينما عملت على التنوع والتوازن ولم تركن للون واحد أو لونين على حساب الألوان الثقافية الأخرى؛ إيمانًا منها بمفهوم الثقافة الواسع. فعبر شاشتها يجد المشاهد حوارات ثقافية، وندوات فكرية، وقراءات أدبية، وشعرًا أصيلاً، ومسلسلات، وأفلامًا وثائقية، وتعريفًا بالرموز الأدبية والثقافية، وطربًا، وتغطيةً للفعاليات الثقافية والمعارض الفنية والتشكيلية والمهرجانات المتنوعة وغيرها. ما حصل بعد ذلك هو أن سهام النقد الموجهة للقناة الثقافية كانت حادة وقاسية، والمنتقِدون لا يعلمون أن (الجود من الموجود) وأن ميزانية القناة الثقافية لا يعلم القائمون على القناة عنها شيئًا بشهادة مدير القناة وقتها الأستاذ عبدالعزيز العيد الذي صرح بذلك في أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني بجدة قبل سنتَين. سيل الانتقادات الموجَّه للقناة الثقافية جعل أفكار التغيير تتزاحم على المعنيين بأمرها، ولذا رأينا كيف تم التبشير بميلاد قناة بديلة تحل محلها وتجذبنا إليها -غصبًا- وتجعل ثقافتنا الحقيقية ماثلة أمامنا بكل ألوانها، ولذا استبشر المثقفون بالقناة البديلة (الحُلم) مؤملِين أن تكون تجسيدًا حقيقيًّا للمفهوم الواسع للثقافة، خصوصًا وميزانيتها تبدو ضخمة قياسًا بسابقتها. ومع أول تمرات أفطر عليها الصائمون في رمضان المنصرم تبدلت النظرة، وتراجع التفاؤل؛ فلم يعد يرى المشاهد من تلك الألوان الثقافية التي عهدها في قناته الثقافية سوى لونَين تسيَّدا شاشة القناة البديلة (SBC) هما (المسلسلات ثم الطرب)، وكأني بالقائمِين بأمر القناة البديلة قد توصلوا -وفق دراسات ميدانية وإحصاءات دقيقة- إلى أن ذائقة المشاهِد لا تخرج عن هذين اللونَين، أو أنه ليس لدينا تراث تاريخي وثقافي ومنجز إبداعي جدير بالعرض سواهما. القناة البديلة بهذا الاختزال تمارس -بدون قصد- تغييبًا لتراث الوطن التراثي والثقافي، وتذويبًا لهويته الثقافية، وتسطيحًا لوعي المشاهد، وتُبرز ما لا يمثل -لوحدِهِ- تراثَ الوطنِ وثقافتَه ومنجزَه الإبداعي.
أعيدوا لنا القناة الثقافية (مطوَّرةً) لنرى صورتنا الثقافية الحقيقية، أوِ افسحوا المجال في القناة البديلة للألوان الثقافية الأخرى، على الأقل من منطلق الاعتراف بهذه الألوان، ومن منطلق الاحترام لذائقة المشاهد والإيمان بحقه في ثقافة شاملة متنوعة تمثل هويته، وتشبع نهمه الثقافي، وتهتم بإبراز التراث التاريخي والثقافي للوطن، والمنجز الإبداعي (الأدبي والفكري والثقافي والفني..) للمثقف السعودي؛ فهويتنا الثقافية ليست مسلسلاتٍ وطربًا فحسب.. إنها هي أبعد من ذلك وأشمل.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store