Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

مستقبل أبنائنا وبناتنا خارج الجامعات

وعليه، فلابد لنا من أن نغير نظرتنا المحدودة الى مجالات التعليم والعمل على حد سواء، وأن لا يصر كل منا -بالضرورة- على أن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً أو معلماً. في حال كون الابن غير مؤهل لكل ذلك

A A
تعيش جميع الأسر السعودية هذه الأيام معمعة قبول أبنائها في الجامعات، فقد مضت عدة سنوات على جعل قبول الجامعات مرتبطاً بنسب معينة يتنافس فيها المتنافسون، ويُختار منها المتقدمون والمتفوقون، ويوجه الباقون الى مجالات أخرى وميادين مختلفة تحتاج اليها البلاد والعباد كالمجال العسكري والمجال التقني والمهني ومجالات أخرى عديدة. ورغم أن تلك باتت حقيقة لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان، إلا أن الكثير من أولياء الأمور مازالوا يصرون على تسجيل أبنائهم وبناتهم في الجامعات مهما كانت نسبهم، بل ويشترطون دخولهم في كليات بعينها.

وقد قرأت بعض الإحصائيات قبل عدة سنوات التي أوردتها دراسات علمية موثقة حول نسب المقبولين في جامعاتنا مقارنة بالمقبولين في الجامعات الأوروبية وبعض دول العالم الأخرى من خريجي الثانوية وبينت أن من يُقبلون من خريجنا تصل نسبتهم أو تزيد عن 60% -على ما أذكر- بينما قد لا تزيد نسب المقبولين في بعض الدول الأوروبية عن 30% من الخريجين، وذلك فرق كبير وشاسع ولاشك. ومرد ذلك الى كون تلك الدول تحرص على توجيه شبابها الى قطاعات إنتاجية ومهنية تحتاج اليها بشدة كي تواصل تقدمها العلمي والتقني وبالتالي الاقتصادي، فهي تحتاج الى من يدير دفة التصنيع، ويشغل الآلات المعقدة، ويتعامل مع الحاسبات الآلية، ويَفلح ويزرع، الخ.. أكثر من حاجتها الى موظفين في الدوائر الحكومية يجلسون في المكاتب المكيفة ليشرحوا على معاملة أو يسجلوا الصادر والوارد، بعد أن تمت في تلك الدول ميكنة كل تلك الاجراءات وهو ما حدث عندنا كذلك مؤخراً. وعليه، فلابد لنا من أن نغير نظرتنا المحدودة الى مجالات التعليم والعمل على حد سواء، وأن لا يصر كل منا -بالضرورة- على أن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً أو معلماً. في حال كون الابن غير مؤهل لكل ذلك. وقد أثبتت التجارب القديمة صحة هذا الأمر، حين كان بعض الخريجين يقبلون في تخصصات صعبة ومعقدة كبعض مجالات الهندسة مثلاً دون أن يكونوا مؤهلين لها لتدني نسبهم في الثانوية، فتكون النتيجة أن يفشلوا في الدراسة ويحولوا الى أقسام أخرى في كليات أخرى أو يفصلوا من الجامعة. ويعلم الكثير من أولياء الأمور كذلك، أن خريجي بعض التخصصات في الجامعة لا يجدون وظائف بعد تخرجهم في القطاع الحكومي ولا الخاص، ومع ذلك تجدهم يصرون على تسجيل أبنائهم فيها (فالمهم أن يدخل الجامعة) مع أن البحث عن مجال تدريبي مناسب خارج أسوار الجامعة في بعض المجالات الحيوية قد يضمن للشاب الوظيفة المناسبة في وقت قصير وبدخلٍ أعلى بكثير. وجانب آخر لابد من أن يلتفت اليه أولياء الأمور هو أن الطاقات الاسيتعابية للجامعات محدودة ولا يمكن لها بحال من الاحوال قبول جميع خريجي الثانوية، ويحمد لها قبولها ما يصل الى ستين في المائة منهم كما ذكرت تلك الدراسات الإحصائية، ومع أن الجامعات تقنن القبول قدر استطاعتها، الا أن التكدس حاصل في جميع الكليات والأقسام، وقد يصل طلاب بعض الشُّعب النظرية أو التطبيقية الى مائة طالب أو يزيدون. ومعلوم أن كثرة اعداد الطلاب بهذا الشكل تؤثر على صورة التعليم وتقتل روح الدراسة الجامعية التي تقوم أول ما تقوم على المناقشة والحوار بين المعلم والطالب وفي حال التكدس يتحول الطالب الى مجرد متلقٍ أو «مستهلك» للمعلومات، دون أن يكون له دور في (الإنتاج) الفكري والمعرفي والتعلم الذاتي.

ونقول أخيراً: إن الواسطات ما عادت تجدي في قبول الجامعات، فالقبول فيها فوري ويعتمد على النسب وعلى درجات التحصيل والقدرات وحسب الأماكن المتاحة، ومع ذلك نجد بعض أولياء الأمور لا يتفهمون هذه الحقيقة ويصرون على قبول أبنائهم ما لم يحققوا الدرجات المطلوبة، والأفضل والأجدى البحث عن مجالات أخرى مناسبة كالتي ذكرتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store