Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

مسجد الفتح.. وضرورة المحافظة على الآثار النبوية

رؤية فكرية

A A
لابد بداية من تقديم التهنئة لفضيلة الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، الذي أُسندت إليه حقيبة وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، فلقد أبلى بلاء حسنًا عندما كان مسؤولاً عن جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبدو أن ما عُرف به من وسطية في شخصيته، واعتدال وتفهّم لمقاصد الشرع الحنيف، هو ما جعل بعض المتشددين يقفون منه موقفًا سلبيًا. فلقد قُدّر للعبد الفقير -كاتب هذه السطور- أن يلتقي به في إثنينية الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة - شافاه الله -، عند تكريمه له، فوجدت فيه من التواضع والتهذيب وحسن الخلق، مما هو ليس بغريب عليه، لانتسابه لأسرة علم وفضل.

واليوم وهو يتحمّل هذه الأمانة، في حقبة تحمل رؤية إصلاحية شملت جميع مناحي الحياة في بلادنا؛ ولهذا فإنني سوف أعرض هنا لموضوع؛ كثيرًا ما طرقه الكُتّاب، وأهل العلم في الحقبة الماضية، مؤيدين ومعارضين، إلا أن الانفتاح أزاح كثيرًا من اللبس الذي كان عند البعض، وهو ما يتصل بموضوع الآثار النبوية الشريفة، التي حفلت بها المدينتان المقدستان خاصة، حيث تنزّل الوحي الكريم، وكانت الرسالة الخاتمة، بمجيء سيدنا محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، نبيًا ورسولاً. ولئن ذهبت بعض هذه الآثار لغرض وجيه متمثل في توسيع مساحة الحرمين الشريفين لاستيعاب الأعداد المتزايدة عامًا تلو عام، مثل دار الأرقم بمكة المكرمة، ودار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، التي حلّ فيها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما قدم إلى المدينة المنوّرة، والتي أضاءت بقدومه الشريف وهجرته إلى أرضها الطيبة المباركة، فإن البعض الآخر أزيل لأسباب مجهولة، وتنصلت منه جهات عدة، يفترض فيها الحرص على هذا الإرث النبوي الشريف، فسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته الأخيار، رضي الله عنهم أجمعين، لا يمكن دراستها والتمثل بها بعيدًا عن هذه الآثار ودلالاتها. ونضرب مثلاً لذلك بمسجد بني قريظة في جنوبي المدينة المنورة، الذي كان يمثل بناء معماريًا رفيعًا، يوضح قصة بني قريظة وخيانتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أثناء موقعة الأحزاب، وكذلك الشأن في سقيفة بني ساعدة في شمالي المدينة المنورة، والتي تعد أوّل مجلس للشورى، حيث تمّت فيه البيعة لسيدنا أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وأرضاه خليفة للمسلمين، بحضور المهاجرين والأنصار جميعًا، رضي الله عنهم، وهو ما يفاخر به تاريخ الإسلام، وتزاحم بهذه الآثار الصحيحة، ما عند أمم أخرى من آثار، ربما كان البعض منها يدخل في باب الأسطورة، والتاريخ غير الموثق.

ومما حفلت به صحافتنا، وخصوصًا هذه الجريدة؛ التي تتزين بمنارة المسجد النبوي الشريف والقبة الخضراء مثوى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، رضي الله عنهما، هو ما آلت إليه بعض المساجد السبعة وخصوصًا مسجد الفتح، حيث روى الإمام أحمد في مسنده عن سيدنا جابر بن عبدالله، رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتى مسجد الأحزاب، فوضع رداءه وقام فرفع يديه مدًّا يدعو عليهم ولم يصلّ، ثم جاء ودعا عليهم وصلّى.

وهذا المسجد وما حوله من المساجد التي تؤرّخ لغزوة الأحزاب، التي نصر الله فيها نبيه صلّى الله عليه وسلّم على كفار قريش والمنافقين واليهود، حافظ عليها خلفاء المسلمين على مر الحقب، بدءًا بسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، الذي أعاد بناء المساجد والمواضع التي صلّى فيها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان قبلها قد قام رضي الله عنه ببناء المسجد النبوي الشريف، ثم تمّم ببقية الآثار المعروفة والموثقة، وهو ما عرف بالتواتر على مر العصور والحقب.

وما أجمع عليه السلف والخلف، إلا من آراء شاذة تتوهم أن العناية بالآثار هي مدخل لبعض البدع، ولكن حتى إن صح هذا الوهم فلن يكون بحكم العقل سببًا للتخلص من هذه الآثار، ولدينا من السنة المطهرة دليل مهم؛ حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مخاطبًا السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وأعدت الحجر إلى داخلها، وهو استشراف من سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم، وتغليبه المصلحة العامة، التي هي أساس من أسس مقاصد الشرع الحنيف.

ولهذا فإني أخاطب عزيزنا معالي الدكتور عبداللطيف آملاً أن يعاد فتح مسجد الفتح، ورفع الأغلال عنه، ولابد من أن نشير إلى أن المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز عمّر هذا المسجد وبقية المساجد الأثرية، مما يدلل على رعاية أُولي الأمر للمدينتين المقدستين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store