Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

رهانات التسامح عربيًا

كان العالم العربي مساحة مفتوحة للتعدد الديني اليهودي- المسيحي- الإسلامي، فأصبح رقعة مغلقة بعد أن تم تهجير كل التعددية الدينية والثقافية، والغرب الاستعماري في هذا، لعب دورًا حاسمًا. حيث شهدت المنطقة العربية حضارات متواترة وأقوامًا تم امتصاص ثقافاتهم وحضاراتهم إيجابيًا،

A A
قد لا تؤدي فكرة التسامح الغرض لأنها تفترض قويًا وضعيفًا.. ولا فكرة التقبل التي تعني الانتقائية والقبول بالأمر الواقع.. حتى في اللغات الأجنبية نجد نفس الصعوبات المصطلحية التي لها تأثير على المعنى.. لنفترض أن كلمة تسامح خالية من أي محمول إيديولوجي للقوة، وتعني تقبل الآخر دينيًا وثقافيًا وحضاريًا بلا مسبقات.. لماذا لا نقبل بالاختلاف ونظن أننا الوحيدون الذين يملكون الحقيقة المطلقة؟ وبناء على ذلك يغيب الحوار والإصغاء في الحياة العامة والثقافية أيضًا، وتحل محلهما الإطلاقية، واليقين ورفض الآخر بالاتكاء على مختلف الأسباب. لكل هذا تاريخ مسبق نحتاج إلى الرجوع إليه بوصفه القاعدة التي كانت وراء كل الجراحات الكبيرة..

كان العالم العربي مساحة مفتوحة للتعدد الديني اليهودي- المسيحي- الإسلامي، فأصبح رقعة مغلقة بعد أن تم تهجير كل التعددية الدينية والثقافية، والغرب الاستعماري في هذا، لعب دورًا حاسمًا. حيث شهدت المنطقة العربية حضارات متواترة وأقوامًا تم امتصاص ثقافاتهم وحضاراتهم إيجابيًا

، وفجأة غير الاستعمار الإنجليزي والفرنسي تحديدًا كل الجغرافيا والخرائط، لنجد أنفسنا أمام دول عربية لم تكن موجودة، وأمام عالم عربي صُنِّع تصنيعًا حقيقيًا، استجابة لحاجات تاريخية ومصلحية للهيمنة على الرقعة الغنية بالطاقات الإستراتيجية.

يكفي أن نعرف أن الجامعة العربية هي صناعة إنجليزية، حملت كل الشلل الذي صاحب تأسيسها وقوانينها بشكل أنه لا يمكن القيام بأية حركة أو مبادرة فاعلة باتجاه جمع شمل العرب وتوحيدهم حول مصلحة مشتركة.

اليوم لا يبتعد العالم العربي عن ماضٍ منكسر في كل خيباته وهزائمه.. يعيش وضعًا لا يحسد عليه، لم يأت مع الثورات ولكنه زاد استفحالاً معها.. فقد حاولت الأنظمة العربية الدكتاتورية وجمهوريات الموز أن تخلق أوضاعًا خاصة، حاولت أن تسير البلاد العربية وفق مقتضيات الحال والمنفعة السياسية والأيديولوجية، منتهجة سياسة براغماتية بالمعنى النفعي الكامل، فدفعت بالعالم العربي المغلوب على أمره إلى أن يعيش أوضاعًا بعضها تاريخي، وبعضها مستجد.. حالة من التناقض والصراع في الظاهر صحيحة، وفي العمق تسيرها بشكل يخدم مصلحة استمرارها لأنها ستبدو أمام المتصارعين حكمًا نزيهًا باسم خطاب وطني فقد الكثير من شرعيته وحتى حق وجوده.

الخطاب السياسي الذي ركز على الإسلام واللغة العربية فقط في تشكيل الهوية، ووضعهما في الواجهة مع نسيان بقية الخصوصيات الوطنية الأخرى، وتسيد الخطاب القومي المقصي لكل اختلاف أو تعددية، ووفر مناخًا غير صحي في مسألة التسامح.. مثلاً من الصعب اليوم ايجاد كنيس يهودي في العالم العربي إلا استثناءات قليلة، حتى الموجود منها تم تحويله إلى مساجد أو إلى مساحات نفعية خاصة لا علاقة لها بالدين.. من الصعب أن نسمع في الإذاعات الوطنية العربية، أغاني رنيت الوهرانية وهي ابنة وهران، أو أغاني اليس فيتوسي أو الشيخ ريمون وليلي مونتي مع أنهم غنوا الطابع الوهراني والقسنطيني والعاصمي.

اللا تسامح انتقل بسهولة نحو قطاعات كبيرة من المجتمع.. المغاربي مثلاً حيث يشكل الإرث الثقافي اليهودي جزءًا من الميراث الوطني والقومي تاريخيًا، منذ الهجرات الأندلسية الأولى ١٤٩٢ والتي أعقبتها، بالخصوص ١٦٠٩حينما أمر الملك الكاثوليكي الأسباني بطرد كل من ثبت في سلالته جد مسلم أم يهودي.. ان التسامح ليس مسألة بسيطة أو قرارًا يتخذ وينتهي كل شيء.. فهو تربية يحس فيها الإنسان أنه مواطن بكامل الحقوق والواجبات، وثقافة تتحول إلى اختبار حقيقي لإنسانيته القلقة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store