Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

ليس بالوظائف فقط يحيا الشباب السعودي

فإن تجولت في سوق البوادي أو سوق السوريين -كما يُسمى- لوجدت عشرات البسطات الصغيرة التي تشبه المتاجر المصغرة، وتبيع هذه البسطات العطور والملابس الجاهزة والكماليات والعبي وسوى ذلك. وانظر الى أصحابها جميعاً لتجد أنهم من الهنود والبنغالة وسوى ذلك. ولا أعرف لمَ لا يقتحم شبابنا السعودي هذه المجالات التجارية وغيرها.

A A
كثيراً ما نقرأ مقالات مطولة تدعو إلى إتاحة فرص وظيفية أوفر للشباب السعودي. كبعض المقالات التي تتهكم بالشروط التي يضعها أرباب العمل لشغل وظيفة ما، والتي تكون شروطاً تعجيزية، ومع ذلك ترفق (بإكليشة) تقول (الأفضلية للسعوديين) أو (للسعوديين فقط)، وتدعو تلك المقالات الى التزام الواقعية في تحديد تلك الشروط أي إتاحة الفرصة للسعوديين بشكل أفضل، وتدعو الى السعودة الفعلية.

ولعل الذي يلفت النظر في كل أو معظم المقالات التي تناقش تلك الموضوعات، أنها تركز على حلول نابعة من أرباب العمل. وتحملهم كل المسؤولية وتلقي بكل اللائمة عليهم. وتندر المقالات التي توجه الخطاب الى الشباب السعودي نفسه وتدعوه الى التحرك وإلى مساعدة نفسه بنفسه وعدم الاعتماد على أرباب العمل.

وما تسعى هذه المقالة إلى طرحه هو تفطين الشباب ببعض الحقول التي ينبغي عليه أن يعمل فيها. فشباب هذه البلاد أولى من سواهم بالكسب المشروع فيها، شريطة أن يكد ويتعب كما يكد ويتعب الآخرون.

وأذكر أننا كنا في مكة المكرمة نمارس بيع المواد الغذائية للحجاج في فترة الحج في بسطات صغيرة تدر علينا أرباحاً بآلاف الريالات في تلك الحقبة المتقدمة، وكان يمارس هذا العمل نخبة من الشباب الجامعي، الذين تخرجوا جميعاً، وكثير منهم اليوم حاصلون على شهادات عليا كالماجستير والدكتوراة.

ما أقصد أن أقوله، أن تحصيل الرزق له قنوات كثيرة لا تقتصر على العمل الوظيفي فقط، وقد قال صلى الله عليه وسلم (تسعة أعشار الرزق في التجارة). ولكن الأمر الملفت للنظر فعلاً، أن الاعمال التجارية الكبيرة والصغيرة بات كل من يديرها ويعمل فيها وقد يتملكها في كثير من الأحيان عن طريق التستر، بات كل هؤلاء من غير السعوديين.

وأعتقد أن حالاً كهذه لا يمكن أن تلام عليها الأجهزة المختصة لأن الأنظمة السارية في هذا الموضوع صارمة للغاية. كما أن الوافدين ممن يمتلكون ويديرون هذه الأعمال لا يمكن أن يلاموا، لأنهم جميعاً يبحثون عن الربح وتحقيق أكبر مكاسب مادية ممكنة، وهم باقون رغم كل الإجراءات الصارمة في الوقت الحاضر. وان كان اللوم ليقع، فإنه يقع على الذين يمكنون لهم من أن ينعموا بخيرات بلادهم من الذين هم أحق بها من سواهم، ويرضون بالفتات أو بفتات الفتات، ثم يقولون بعد ذلك إن الفرص الوظيفية ضئيلة أمام السعوديين، وإن الشروط التي يصنعها أرباب العمل معجزة. ونسأل هؤلاء لماذا لم تحاولوا خوض غمار العمل التجاري الذي يسيطر عليه غيركم بالكامل؟.

وغالباً ما تكون الحجة أن العمل التجاري يحتاج إلى رأس مال كبير، ونقول رداً على ذلك: وهل ينبغي لكل من أراد العمل بالتجارة أن يبدأ بمتجر ضخم تبلغ أجرته آلاف الريالات، ويتكلف (ديكوره) مبالغ مشابهة؟.. أتمنى لو أن الشباب (يكلف خاطره) ويتجول في بعض الأسواق المعروفة ونضرب مثلاً على ذلك بأسواق مدينة جدة الكثيرة الطويلة العريضة. فإن تجولت في سوق البوادي أو سوق السوريين -كما يُسمى- لوجدت عشرات البسطات الصغيرة التي تشبه المتاجر المصغرة، وتبيع هذه البسطات العطور والملابس الجاهزة والكماليات والعبي وسوى ذلك. وانظر الى أصحابها جميعاً لتجد أنهم من الهنود والبنغالة وسوى ذلك. ولا أعرف لمَ لا يقتحم شبابنا السعودي هذه المجالات التجارية وغيرها.

ولكم تعجبني بعض الأفكار الوطنية التي يتبناها بعض الشباب السعودي، كفتح المطاعم التي تقدم الوجبات الشعبية، ولكن بشكل نظيف وأنيق ومنظم. وما أجمل أن ترى صاحب العمل وهو يشرف بنفسه على البيع والشراء وقد ظهر ذلك جلياً في كثير من المطاعم والعربات المتنقلة في جدة مؤخراً. وكم أعجبني بعض الشباب الذين أسسوا بعض المطاعم التي تبيع وجبات أخرى حتى لو كانت أجنبية كالهامبرجر والبيتزا وسواها. ولكن المهم أن نكون نحن أصحاب العمل وأن نشرف عليه بأنفسنا ولا نتحرج من ذلك بل نفخر به ونعتز. وهذا النوع من المطاعم ظاهر بوضوح في العربات المتنقلة اليوم كما أسلفت.

لقد آن للشباب السعودي أن يعيد النظر في المجالات الوظيفية التي يريد خوضها، وأن يعلم أنه أحق من كل من سواه في الكسب المشروع في بلاده وعلى أرضه. وهي السياسة التي تدعمها الدولة وتؤكد وتحث عليها، وذلك جلي في رؤية 2030 الطموحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store