Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

زيت التجارة وقناديل الحضارة

التشريع المقترح يفرض عقوبات مشددة على روسيا تصل حد التفتيش في جيوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكشف ثرواته السرية، فضلا عن عقوبات تجارية مشددة تنال من قطاع الطاقة الروسي الحيوي، وتحظر صادرات أمريكية إلى روسيا، مزدوجة الاستخدام (العسكري- المدني).

A A
شئنا أم لم نشأ، فقد بدأت أكبر حروب التجارة حجماً في التاريخ الإنساني.. الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد عرفه التاريخ، وأضخم حركة تجارة على مدى أكثر من ستين عاماً، تخوض حرباً تجارية مع العملاقين الصيني والأوروبي، تتداخل فيها وتتشابك خيوط

التجارة والسياسة والسلاح، والحروب وأعمال المخابرات.

أخطر ما في هذه الحرب، أن المكون الأمريكي الداخلي فيها، يبدو متصارعاً مع ذاته في أغلب الأحوال، وأن الولايات المتحدة ذاتها تبدو منقسمة لأول مرة، إزاء حرب تخوضها مع الخارج، حتى بشأن تعريف من

هو العدو؟!.. ومن هو الحليف؟!

لأول مرة، تبدو الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، حاسمة في تقرير مصير معارك كبرى تخوضها أمريكا مع أعداء، أو خصوم، أو منافسين في

الخارج.

هذه الانتخابات النصفية المقبلة، قد تقرر مصير الرئيس الأمريكي، الذي قد يخسر منصبه الرئاسي إن تمكن الديموقراطيون من انتزاع أغلبية داخل مجلسي الشيوخ والنواب (بعد أقل من ثلاثة أشهر)، على خلفية تدخل روسي مزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

الأخيرة، التي حملت ترامب إلى البيت الأبيض.

معظم المؤسسات السياسية والأمنية والاستخباراتية وحتى القضائية الأمريكية، تبدو على يقين من وقوع تدخل روسي عبر الانترنت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، استهدف منع هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديموقراطي، من الفوز بالرئاسة، وأغلب هذه المؤسسات،لا تساورها شكوك في أن دونالد ترامب قد استفاد من هذا التدخل الروسي، فيما يعتقد طيف واسع من أبرز وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب كان على علم مسبق بالتدخل الروسي لصالحه. قبل ساعات فقط، نشرت صحيفة كوميرسانت الروسية تقريراً، قالت فيه إن الكونجرس الأمريكي يدرس إصدار تشريع لمعاقبة روسيا على خلفية مزاعم بتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة يحمل اسم «ديسكا» Defending American Security’ from Kremlin Aggression Act (DESKAA

).

التشريع المقترح يفرض عقوبات مشددة على روسيا تصل حد التفتيش في جيوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكشف ثرواته السرية، فضلا عن عقوبات تجارية مشددة تنال من قطاع الطاقة الروسي الحيوي، وتحظر صادرات أمريكية إلى روسيا، مزدوجة الاستخدام (العسكري-

المدني).

نواب نافذون بالكونجرس، يتعجلون صدور التشريع المقترح (ديسكا) بحسب صحيفة كوميرسانت الروسية، لضمان عدم تدخل روسيا في انتخابات الكونجرس

النصفية المقبلة في نوفمبر المقبل.

تشريع ديسكا المقترح، تزامن مع قرار أمريكي صدر بالفعل بالبدء في تطبيق عقوبات ضد روسيا على خلفية قضية محاولة قتل جاسوس روسي سابق في لندن

العام الماضي والمعروفة بقضية سكريبال.

ربما بدت العقوبات الأمريكية ضد روسيا محدودة الأثر على التجارة الدولية، لكن حملة ترامب لفرض رسوم جمركية باهظة على صادرات صينية واُخرى من الاتحاد الأوروبي، ربما تلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد العالمي. لن ينجو من أثاره

أحد.

رسوم ترامب الجمركية على منتجات صينية بقيمة خمسين مليار دولار، ردت عليها الصين بالمثل، أما رسومه على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الاوروبي، فقد ردت عليها أوروبا، ليس بفرض رسوم على الصادرات الأمريكية للاتحاد الأوروبي فحسب، وإنما بتوقيع اتفاق مع اليابان يسمح بإعفاءات جمركية متبادلة وبتحرير التجارة بين أوروبا واليابان بما يقلص حصص الولايات المتحدة في التجارة مع الطرفين (أوروبا واليابان). ما يجري من حروب تجارية اشتعلت للتو بين الولايات المتحدة وأطراف دولية عظمى، يضع العالم على شفير صراع من نوع جديد تماماً، ويتيح فضاءات هائلة تمرح فيها عوامل الخلل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وحتى العسكرية، بما يعيد إلى العالم

أجواء حرب كونية عظمى جديدة.

حروب التجارة، تطرد قوى العمل، إلى شوارع البطالة، وتضخ عناصر ضغط جديدة وعاتية حتى في أكثر المجتمعات استقراراً، فما بالنا بمنطقة تشكو اضطراباً في الهوية،

وتعاني من اختلالات أمنية توفرت لها مصادر الاستدامة.

عقوبات أمريكا ضد روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وكذلك ضد إيران والمكسيك، دفعت نائب رئيس بعثة روسيا لدى الأمم المتحدة إلى وصف الولايات المتحدة ( USA) بأنها أصبحت United Sanctions Of America

.

قبل قرون، عزا المؤرخون نهضة أوروبا إلى تجارتها مع العالم الإسلامي المتقدم، وقال بعضهم إن (زيت التجارة أشعل مصباح الحضارة).. اليوم وبعد نحو خمسمائة عام، توشك حروب التجارة على إطفاء قناديل الحضارة.. أو ربما إشعال سراجها في مناطق أخرى استعدت لمثل هذا اليوم... الهند مثلاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store