Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

ريشة اللاعبين السعوديين لامست جسر العودة!!

إضاءة

A A
انتظرت أيامًا طويلة، حتى أقرأ خبرًا عنهم في مجلة أو صحيفة، أو أشاهد ما جرى منهم في برنامج، أو أسمعه في إذاعة، دون أن يتم، فلما طال الانتظار قررت التطوع أو التصدي للكتابة عنهم، وما أجمل الكتابة عندما تكون عن ضمير أمة، وعن الانتصار لحقوق وطن.

معاذ الغامدي، عبدالعزيز العثمان، عبدالله الحارثي، ونواف الغامدي، هؤلاء الأربعة يمثلون قوام المنتخب السعودي لكرة الريشة، فلما أوقعتهم القرعة أو أوقعت اثنين منهم لمقابلة المنتخب الاسرائيلي، انسحب اللاعبان السعوديان وهم يعتذران في أدب شديد لمنظمي البطولة، التي أقيمت في أوكرانيا! والحق عندي أن اللاعبين السعوديين لم يخسرا بالانسحاب، لأنه لم يكن انسحابًا، بل تفوقًا كاسحًا وسطوعًا وسط الضباب.

هكذا في زمن الكذب والنفاق والإثم والمأثمة، رفض اللاعبون أن تكون المباراة إعلانًا أو نعيًا أو إنهاءً لحقب الظلم القاصمة! لقد جاء الانسحاب تأكيدًا وتطبيقًا عمليًا وميدانيًا وعلنيًا لتمسك وطنهم وأمتهم بشرف القضية وشرف الأزمنة.

هنا لا يهم أن أستبق، وأنا أرى أقراني على جسر العودة وفي غزة وفي كل مكان من أرض فلسطين في ضجر وحزن وهم وقلق! تذهب الكرة بعيدًا، فالمهم في هذه اللحظة أو الفرصة أن تظل فلسطين في الحدق.. لا يهم خسارة نقطتين فنتأخر في الترتيب، بقدر ما يهم أن نفسح لصوت الحق أن ينطلق.. نعم للعب مذاق، لكن الانسحاب أمام هؤلاء مذاق أجمل! للفوز مذاق، لكن للطم الظلم إحساس أنبل!

هذا زمن لا يقبل منا أن نصافح لاعبًا، يسكن أو يقيم في بيت ليس ملكه! ويتدرب لمواجهتنا في ملعب سلبه، ويخرج من مطار ليس مطاره، ويعود سعيدًا لديار ليست دياره! رسالة صغيرة في معناها لكنها كبيرة جدًا في مغزاها، بل إنها كبيرة في معناها وفي مغزاها.

لا وقت، بل لا نفس لدينا للعب معكم.. لا طاقة لنا أن نبدل وجهنا أو نغير الوجه بوجه، والزيف الذي تمارسونه بزيف، خسرنا نقطتين أو عشرًا، لكن جاءتنا الفرصة.. فكسبنا احترامنا لأنفسنا، ولأهلنا ولتاريخنا ومستقبلنا، النية هنا بالقلب لا تكفي.. طالما جاءتنا الفرصة.. النية هنا باليد التي ترفض المصافحة لمن يمقتون قيم الحق والحب، نحن ننسحب.. كي تسقط راية الزيف، وتعلو راية الحق المغتصب.

الكأس التي تنتظرنا تهون، ولا نسمح بجرح مشاعر الأمهات والأطفال الثائرين، الترتيب العام لا يهم الآن، حتى لا نقر بالموافقة على استمرار عمليات القتل والحرق والزج بأصحاب الحق إلى السجون.

في بداية مباراة كرة الريشة، تُجرى قرعة بين الفريقين والفائز له أن يختار الإرسال أو الجهة التي يريدها، ومن الواضح أن الشابين السعوديين اللذين رفضا مصافحة الإسرائيليين واللعب معهما، أرادا أن يرسلا بداخل ريشتهما رسالة تحية وإكبار للأمهات الصامدات على جسر العودة، لقد جرت العادة في بعض المباريات أن تضرب الريشة إلى أعلى ثم تترك حتى تلامس الأرض، وما أغلاها من أرض.. وما أنبلها من رسالة.

في قانون كرة الريشة، يجب أن يبقى كل من المرسل والمستقبل داخل حدود ملعبهما بدون لمس حدوده حتى تتم عملية الإرسال، أما اللاعبان الآخران فلهما حرية الحركة.. إنهما اللاعبان الإسرائيليان اللذان يمثلان كيانًا لا يعترف بقوانين أو حدود، باعتبار حدوده التاريخية «من النيل إلى الفرات».

وفي الطرف الآخر، كان الانسحاب الذي حظي باحترام الجميع وأخرس الكذب، وأبطل التطبيع في اللعب، وتزوير التاريخ في البرامج والمناهج والكتب! إنه الانسحاب الذي أطلق الحمام والسلام من أوكرانيا حيث الملعب، إلى حدائق الزيتون والعنب!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store