Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

كيف يفكر السعوديون؟

A A
أصبح المجتمع السعودي مدار حديث الكثير من المجتمعات، وغدت توجهات أفراده الفكرية وسلوكياتهم تحت مجهر نقدها وتقييمها، ولعل ذلك يعود لكونه مجتمعًا ذا بيئة ثقافية وجغرافية متنوعة تم العمل على خلق حالة فريدة من الانسجام والتواؤم بينها، ولكونه قفز قفزات سريعة وهائلة من مرحلة الكمون والبداوة والانزواء إلى مرحلة الظهور والتحضر وتسيُّد المشهد بأشكالة كافة، وهي القفزات التي صاحبتها بعض الأخطاء الفردية في التطبيق ما لفت انتباه الآخرين إليها. الشيء المألوف أنه يمكن الحُكم بسهولة على أي مجتمع -ومن ذلك المجتمع السعودي- من خلال الظواهر المحسوسة، غير أن هناك مستوى أو معيارًا أهم وأجدر بالمعرفة والحكم عليه، وأعني به مستوى التوجهات والتفكير وأثرها وتطبيقاتها في الواقع المعيش، ومع هذا يظل الحكم على هذا المستوى (التوجهات والتفكير) من الأمور الإشكالية التي تكتنفها بعض العوائق وتؤخذ نتائجها بشيء من الحذر. على هذا قامت الدكتورة تغريد الجدعاني بدراسة استطلاعية أخرجتها في كتاب حديث صدر سنة (٢٠١٨م) وهو الذي عنونتُ بعنوانه مقاليَ (كيف يفكر السعوديون؟). تقول المؤلفة عن الكتاب إنه يحتوي على «مئةٍ وتسعٍ وسبعينَ فكرةً (إجابةً) مختلفةً في تقييم اتجاهات المسؤولية الاجتماعية لدى المواطنين السعوديين، شارك في صياغتها ما يقرب من ألف وتسعمئة وأربعة وعشرين سعوديًّا وسعوديةً من جميع مناطق المملكة»، وترى أن هذا الكتاب «خطوة لتحليل بعض توجهات فكر المواطن السعودي نحو ذاته في الفترة الانتقالية التقنية من خلال إعداد مجموعةٍ من استطلاعات الرأي العلمية التي تم بناؤها على أساس تقييم المسؤولية الاجتماعية لدى المواطنين السعوديين». رصدَ الكتابُ العديد من التوجهات الفكرية لدى المواطنين السعوديين حول عدد من القضايا والسلوكيات ومنها: (الوعي الدِّيني، التطرف الفكري، سلوك النظافة، سلوك العنصرية، الهُوية الوطنية، مساهمة المقِيمِين، العمل الخيري، دَور المتقاعدِين..)، وقد أعقبت المؤلفة كل قضية بخلاصة موجزة لما توصل إليه الاستطلاع وما دلت عليه الأرقام والإحصائيات. ولضيق المساحة سنأخذ مثالَين على التوجهات التي أوردتها المؤلفة لدى السعوديين: الأول- هو «أن النظافة من الإيمان» حيث يعتقد (٤٦.٥٪) من السعوديين و(٥٣.٥٪) من السعوديات أن (٤٨.٩٪)منهم (أحيانًا) يمكن أن يمارسوا سلوك النظافة في الأماكن العامة لتنظيف شيء لا يخصهم، بينما (٢٨.٩٪) أكدوا أنهم (بلا شك) سوف ينظفون شيئًا لا يخصهم في مكان عام، وعن هذا التفكير تقول المؤلفة «هذا تفكير إيجابي في صورته الظاهرية، ولكنه يتعارض مع حقيقة السلوك العام وواقعه». المثال الآخر- حول أثر قيم التديُّن على سلوك الأفراد، حيث يعتقد (٤٩.٥٪) من السعوديين «أن هناك -إلى حد ما- مشكلة لدى الفرد السعودي في تطبيق قيم التدين في سلوكه نحو المسؤولية الاجتماعية، بينما أكد (٤١.١٪) «وجود مشكلة فعليًّا.. حيث يميل الأفراد إلى التنظير بعيدًا عن التطبيق العملي لما يعتقدونه». الكتاب يعد خطوة جيدة في سبيل التعرف على التوجهات الفكرية للمجتمع السعودي ودراستها وتحليلها، ولعله يكون دافعًا للمزيد من الدراسات الاجتماعية والنفسية؛ لمعرفة أسباب حالة الانفصام بين إيمان السعوديين بتلك التوجهات الفكرية كافة (الدينية والثقافية والاجتماعية.. إلخ) وبين التقصير في ممارستها.. وعيدكم مبارك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store