Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

ترامب ينهي حقبة كيسنجر

A A
ما زال هنري كيسنجر، أحد أهم صناع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة عبر تاريخها كله، قادراً على أن يشغل العالم، بأفكاره، وآرائه، وتصوراته، قال عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حوار معه أجرته صحيفة الفاينانشيال تايمز قبل أسبوع فقط» أنه أحد تلك الشخصيات في التاريخ، التي تظهر من وقت لآخر لترمز لنهاية حقبة تاريخية، وجعلها تتخلص من ريائها المتقادم».

توصيف دقيق وشجاع لزعامة أمريكية جديدة، ربما تعبر بالفعل عن نهاية حقبة تاريخية، وبداية حقبة أخرى جديدة، بأفكار وقيم ورؤى مغايرة. فهل يعني هذا أن ما يجريه ترامب من تبدلات وتغييرات في صميم سياسة أمريكية استقرت على مدى أكثر من سبعين عاماً، هو فعل واعٍ ومخطط ومدروس، يستهدف تغيير نظرة الولايات المتحدة تجاه العالم، ورؤيتها لذاتها؟! يقول كيسنجر، إنه لا يعرف إن كان ترامب يعرف هذا، أما ترامب ذاته فيسير في ذات الاتجاه مواصلاً، عملية مراجعة في العمق للسياسة الأمريكية تجاه حلفاء أمريكا ومنافسيها وخصومها وأعدائها في نفس الوقت.

اثنان من رواسخ السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، تجري الآن زعزعتها، علاقة أمريكا بحلفائها في الناتو من جهة، والتزاماتها تجاه أوروبا من جهة أخرى. أما عن الصين الشريك التجاري الأعظم للولايات المتحدة، فقد دشنت إدارة ترامب حرباً تجارية معها بدأت بفرض رسوم حمائية على الواردات الصينية تصل خلال أسابيع إلى نحو مائتي مليار دولار.

أمريكا، طبقاً لكيسنجر، تغادر الآن مع ترامب حقبة تاريخية كاملة، وتدشن الدخول في حقبة جديدة لم تتبلور ملامحها كاملة بعد. لكن الخروج من حقبة تاريخية كاملة، لا يتحقق بمجرد إجراءات، أو قرارات، أو بضع تغريدات على تويتر، وإنما يقتضي الأمر أولاً الإجابة عن بضعة أسئلة، لعلها شغلت الولايات المتحدة على مدى عقود كاملة، فمثلاً لابد من الإجابة عن سؤال حول دواعي الخروج الأمريكي من حقبة تاريخية تزعمت فيها الولايات المتحدة النظام الدولي كله، فيصبح السؤال: لماذا يتعين علينا الخروج؟!..هل لأن ثمن الإصرار على البقاء أعلى كلفة من ثمن الخروج؟!..هل لأن ثمة فرصاً أفضل للولايات المتحدة في الحقبة المقبلة التي ما تزال ملامحها قيد التشكيل؟! هل ضاق الأمريكيون بأعباء قيادة النظام الدولي، وهل بلغوا النقطة التي تصبح فيها تكلفة فاتورة القيادة أعلى من عوائدها على الاقتصاد الأمريكي؟!

العلاقة بين الدور الأمريكي في زعامة النظام الدولي، وبين عوائد أو أرباح هذا الدور على الاقتصاد الأمريكي وعلى حياة المواطن الأمريكي داخل الولايات المتحدة، شديدة التعقيد، لكن أرقامها ونتائجها، تشير إلى أن الشركات الأمريكية وسوق العمل الأمريكي هو صاحب الحصة الأوفر عالمياً، سواء في ظروف الحروب والصراعات، أو في أحوال السلم وإعادة الإعمار.

للقيادة اذن مردودها على الولايات المتحدة وعلى رفاه مواطنيها وعلى فرص العمل بها.

لكن عملية المراجعة الأمريكية في العمق، قد تربك حسابات شركاء الولايات المتحدة الكبار، خاصة في ظل غياب مرجعية فكرية واضحة لتلك المراجعة، تتيح للآخرين القدرة على التوقع والحساب.

بالتجربة، وبحسابات القوة، والقدرة على التأثير، فإن ما يجري داخل الولايات المتحدة قد يتحول الى شأن داخلي في العديد من دول العالم، التي تتشارك أو تتشابك معها، ومن هنا فإن الرئيس الأمريكي ترامب ليس وحده من يعنيه نتائج انتخابات الكونجرس في نوفمبر القادم، وإنما العالم كله مشغول في اللحظة الراهنة بمعرفة نتائج الانتخابات المقبلة التي قد تطلق يد ترامب إن احتفظ الجمهوريون بالأغلبية، وقد تغل يده أو حتى تنهي رئاسته إن تمكن الديموقراطيون من انتزاع الأغلبية.

التوقعات ترجح خسارة حزب ترامب، لكن الرجل بروح البيزنس ما زال قادراً على مفاجأة خصومه. دعونا ننتظرْ ونرَ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store